ثقافة وفن

معتقل «دار بريشة» يتحول لمتحف وجزء من الذاكرة «المشؤومة»

محمد كريم كفال الخميس 18 يونيو 2015
معتقل «دار بريشة» يتحول لمتحف وجزء من الذاكرة «المشؤومة»
Dar Bricha

AHDATH.INFO - تطوان - خاص

يبدو كالمنزل الشبح شامخا في أعلى ما تبقى من جبل قديم بوسط تطوان، يطل على حي المحنش وما جاوره، وحاول اللحاق بجبل درسة وشموخ غرغيز. روايات مختلفة رويت عن ذلك المنزل الذي يشبه منازل السحرة والأشباح في أفلام هوليود، قد يكون شبيها بقلعة لكنه ليس قلعة، بل مجرد منزل حمل أسرار سنوات من العنف والاختطاف والقتل حتى... كانت المناسبة ليعري بعضا مما دار داخله على مدى سنوات ما بعد الاستقلال.

 

كان المنزل على وشك أن يهدم وتقام بدلا عنه عمارة شاهقة، بعد أن بيع لأحد المنعشين في بداية الألفية الجديدة، قبل أن تتحرك بعض الأقلام والفاعلين للمطالبة بحمايته، ولو أنه منزل سيء الذكر ويحمل الكثير من الذكريات المؤلمة والمفجعة، لكن يجب أن يبقى حيا شاهدا على ما حدث بين أسواره، وفي مخابئه وسراديبه التي لازالت قائمة لحد الساعة، وسبق لجريدة الأحداث المغربية أن زارت بعض أقبيته المظلمة، والتي كانت مكانا للاعتقال والتعذيب.

إعادة الاهتمام بالمنزل الشبح الذي لا يعرف الكثيرون حقيقة ما حدث بداخله، لكنهم يعرفونه بكونه «شبحا» أو به أشباح وما إلى ذلك من الروايات المختلفة التي سمعوها من هنا وهناك. المناسبة هو قرار المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالحفاظ على المنزل كذاكرة مهمة لسنوات الاختطاف والتعذيب التي عاشها ضحايا الاختطاف والاختفاء القسري. وبعد مجموعة توصيات تم إقرارها في ندوات سابقة، ليكون لجانب معتقل مولاي الشريف متحفين وفضائين لحفظ هاته الذاكرة السيئة للغاية.

اختلفت الروايات والحكايات لكنها تلتقي في كثير من التفاصيل، وهو كون المنزل كان معتقلا سريا وفضاء للتعذيب، وأن ضحاياه لم يحدد عددهم بالضبط، بحيث هناك من يقول أنهم قاربوا الخمسين، وهناك من يجعلهم 122 وأكثر. وفي إحدى كتاباته عن «حكاية دار بريشة.. أقدم معتقل سري في المغرب المستقل»، يروي حسن الوزاني بعض تفاصيل الرواية في هذا المقال، ويتهم حزب الاستقلال بالضلوع خلف تلك الأحداث المؤلمة، بعد اختلاف بعض أعضاء الحركة الوطنية معه واستعداداهم لتأسيس إطار مختلف. وأن «دار بريشة» كما تعرف اليوم، كان اسمها في السابق جنان بريشة لكونها كانت محاطة بحديقة كبيرة شاهدة على مراسيم التعذيب.. إضافة إلى غرف بالطابق الأول والثاني والثالث، وكذا الدهليز الشهير الممتد أسفلها، وكان مكان الاعتقال والتعذيب.

لم يكن أحد يعتقد أن المنزل الشامخ في رياض «بريشة»، يحمل بين أسواره مختطفين يمارس عليهم التعذيب يوميا، قبل أن تتم تصفيتهم بطرق مختلفة.. أسماء بارزة ومعروفة تلك التي وجدت نفسها هناك، فقط لكونها اختلفت مع القيادة التي كانت آنذاك في الحكومة المغربية الأولى بقيادة امبارك البكاي في حدود 1955. بل أن ما حدث هناك من طرف أصدقاء الأمس لرفاقهم الخارجين عن طوع الحزب، كان وفق الكثير من الشهادات، أخطر مما حدث لاحقا في معتقلات سنوات الرصاص. بحيث تعتبر دار بريشة أول معتقل مغربي بعد الاستقلال، حيث مورس الاعتقال التعسفي والتعذيب.

وفي واحد من أشهر الكتب التي تحكي عن المعتقل، وهو للمهدي المومني التجكاني (دار بريشة أو قصة مختطف)، فقد بدأت حملة الحزب المسيطر على السلطة، في يناير 1956 بمذبحة سوق أربعاء الغرب، ثم اغتيال الأستاذ عبد الواحد العراقي في باب الخوخة بفاس في أبريل 1956، ثم اغتيال المقاوم محمد الشرقاوي، ثم اختطاف عبد السلام الطود، وعبد القادر برادة، وإبراهيم الوزاني بتطوان‪ ‬في يونيو 1965، حيث يؤكد الكاتب أن عبد القادر والوزاني، طلب منهما بعد أن نقلا لدار بريشة أن يقوما بحفر قبرين في حديقة‪ ‬الدار، وبعد ذلك تم دفنهما أحياء بها. فيما كان الطود قد نقل لغفساي لتصفيته هناك، بعد أسابيع من التعذيب والاعتقال بدار بريشة.

وكانت إحدى الجمعيات الحقوقية قد قادت حملة بداية الألفية الجديدة، لأجل حماية الذاكرة والبحث في ما حدث وتعويض ضحايا سراديبها، بحيث أنه لازال بعض منهم أحياء، فيما الكثير من الأسر التي عاشت حياة سيئة بسبب فقدان معيلها ووليها، نتيجة عمليات التصفية التي تمت خلال فترة الصراع القوي بين حزب الاستقلال وخصومه الشوريين المنفصلين. وحسب تقرير كانت قد أصدرته ذات الجمعية، فإن عدد الضحايا كان كبيرا ولم يتم حصره بالضبط، مما جعلهم يطالبون من المجلس الوطني لحقوق الإنسان ضرورة فتح هذا الملف. بل يعتقد أنها تضم مقابر جماعية بما تبقى من «الجنان» الذي تعرض في غالبيته للسطو والبناء من طرف بعض الأشخاص.

اليوم دار بريشة الشامخة هناك على مرتفع يطل على المدينة يمينا ويسارا، ستصبح متحفا وجزء من الذاكرة، بعد أن يتم ترميمها بطبيعة الحال وإصلاحها، خاصة وأنها وصلت إلى وضعية لا يمكنها أن تستمر على ما هي عليه، وأن تصبح فضاء عموميا وهي آيلة للسقوط بسبب ما تعرضت له من إهمال متعمد، بحيث كانت تقطن بها عائلة لم تجد مأوى لسنوات، لا تعرف عن تاريخه شيئا سوى أنه كان معتقلا أو قلعة للمقاومة، وفق ما صرح رب تلك الأسرة، في لقاء للجريدة به سابقا. لكنه اليوم سيكون ملزما بالمغادرة أو توفير عمل له هناك، حينما يصبح المنزل الشبح متحفا يرتاده العموم.

 

مصطفى العباسي