كان مشهدا غير مسبوق. مئات المغاربة يتدافعون للفوز بتوقيع الكاتب السعودي أسامة المسلم، بالمعرض الدولي للكتاب بالرباط . هو حدث يثلج صدر المنظمين، ويعطي حجة للمتسرعين في تقديم قراءات إنشائية للقول أن القراءة بخير، وأنا في واقع الأمر لا أمثل الطرفين، لذلك لا بأس من فتح نوافذ تختلس النظر لسر هذا الكاتب الذي جعل الشباب يتدافع ويغمى على بعضه من أجل  لقاء "نجمه الأدبي"، بعد أن عهدنا تزاحم شبابنا لالتقاط صور مع نجوم اللاشيء.

لمن لا يعرف الكاتب، فقد كانت بدايته سنة 2015، مستثمرا الموروث العربي المرتبط بالعوالم الغرائبية، بعد أن اختار خانة الفنتازيا والرعب كصنف يسعف على الوصول لأقصى درجات الإبداع، لذلك يتحاشى الكثيرون خوض تجربة هذا الجنس الأدبي الذي لا يسلم مفاتيحه للجميع، لكن هذه بالطبع لم تكن وصفته الوحيدة لضمان شعبيته، فالرجل تملك أدوات التواصل الافتراضي والتواجد على المنصات الرقمية، والاستفادة من موجات التراند التي تجتاح عناوين صناع المحتوى المشتغلين على الكتب، إذ يكفي أن يخلق أحد المحتويات بعض الصدى،  حتى تسارع البقية لإعادة إنتاجه في زمن قياسي، ما يجعل الموضوع رائجا.

فالأهم من محتوى الكتب اليوم، طريقة ترويجها وإيصالها لأوسع شريحة من الجمهور. فبدل مقدمة طويلة عن الكتاب، يكفي وضعه بجانب كوب قهوة أنيق، أو على طاولة مطعم بجانب طبق بديع التقديم، أو فوق سطح مكتب بجوار علبة شكلاطة وشموع وصور وأغلفة مبهجة لعناوين غربية ... وغيرها من طرق الترويج القادرة على شد انتباهك نحو القراءة دون قراءة !! معادلة صعبة، لكن الأمور تسير اليوم على هذا الحال، كنوع من الترويج الذكي وليس السطحي كما يتوهم البعض.

بعدها تأتي مرحلة إرواء الفضول عبر محتويات ملخصات الكتب التي يتهافت عليها قراء العوالم الافتراضية، صحيح أنها لا تضاهي القراءة الورقية، لكنها الأسلوب الذي تمكن من إقناع جيل بأكمله أن الطريق نحو الثقافة متاحة عبر استهلاك أكبر قدر من الملخصات التي تحمل بصمة ملخصها أكثر من كاتبها، إلى جانب البودكاست حيث يمكنك الاسترخاء  لسماع كتابك المفضل كاملا في صيغة صوتية جذابة يتنافس عليها عشاق الإلقاء الصوتي.

نقطة ثانية مهمة، هي التعامل الذكي للكاتب مع جمهوره كصديق، حيث تقمص دور المؤثر لتوسيع قاعدة متابعيه على مواقع التواصل، ليجيب عن أسئلتهم ويستمع لإنطباعاتهم، وهنا تحضرني عبارة  رائد أدب الرعب، أحمد خالد توفيق، حين سئل عن سر وصول كتاباته لشريحة واسعة من الشباب، فأجاب أنه ببساطة لم ينفصل يوما عن إحساس طفولته وشبابه، فكان يكتب مستحضرا ما يعجبه حين كان يافعا، وهذا بالفعل ما يجعل أي كتابة قادرة على الوصول، حين تستحضر المشترك مع جمهورك.

ومما استوقفني حقا، إجماع الجمهور المغربي الشاب الفرنكوفوني على إعجابه الشديد بقدرة اللغة العربية على تقديم ذلك الكم الهائل من الصور الأدبية المهبرة، وكأنه يتعرف لأول مرة على اللغة، وهذا جزء من حصاد من روج لضرورة توسيع دائرة الدارجة على حساب الفصحى، ما رفع منسوب الانبهار أمام عبارات فصحى قد تكون عادية، لكنها لمن لم يعهدها مبهرة.

هذا الانبهار اللغوي، يشكل بوابة للانبهار بما تحمل العبارات من حمولة ثقافية، فالكاتب يستحضر جزء من ثقافة البدو، والصراعات العربية الفارسية، وعوالم الجن في الثقافة العربية، وغيرها من عوالم غريبة لا نفتقد مثيلها في ثقافتنا المغربية المتنوعة التي يمكنها أن تبهر القارئ لو مررت له على لسان كاتب قادر على مسك ثنائية ترويض اللغة والقرب من الجمهور.