شكلت الأبواب المفتوحة للأمن الوطني حدثا كبيرا بالنظر للحجم الذي اتخذه الملتقى هذه السنة، سواء من حيث الفضاء المخصص له، أو من حيث شكل ونوع الأروقة، وكذلك من حيث الأبعاد التي يمكن أن تحيط به، خصوصا في ما يتعلق بموضوع الحكامة الأمنية، وما تعنيه من سياسة عمومية ومن ضمان التمتع بالحقوق..

ملتقى هذه السنة الذي نظمته الإدارة العامة للأمن الوطني ما بين 17 و21 ماي الجاري، عرف توافد أكثر من مليوني زائر، من مواطنين ومجتمع مدني وتلاميذ إضافة إلى عدد كبير من نساء ورجال الصحافة والإعلام.. إضافة إلى ذلك، هناك الزيارات التي تمت افتراضيا من خلال منصة إلكترونية تسمح بالتجول عبر الأنترنيت في الفضاء، الذي شمل عدة أروقة عن العمل الأمني تقنيا ولوجيستيكيا وبشريا..

ملتقى الأبواب المفتوحة للأمن الوطني، إلى جانب بعديه المهني والإنساني، فهو يشكل صبغة هامة جدا في ما يتعلق بالحكامة الأمنية، وهو بعد يشكل تحديا كبيرا، ليس فقط على المستوى الوطني ولكن أيضا على المستوى الدولي.. فالحكامة الأمنية هي مدخل أساسي لتحقيق دولة الحق والقانون. فالأمن الذي يكون ركيزة الاستقرار والشعور بالأمان، هو نفسه الذي يحقق ضمانات التمتع بالحقوق والحماية. والحكامة الأمنية تروم ضمان احترام حرية التعبير وتعزيز دولة القانون واحترام المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان، كل هذا في إطار ضمان الأمن والاستقرار في المجتمع..

وعلى الرغم مما يمكن أن يقال، فإن المؤسسة الأمنية في المغرب عرفت تطورا كبيرا ومحترما. فعلى المستوى الأمني في القضايا الكبرى، كالجريمة المنظمة وجرائم الإرهاب أظهرت المؤسسة الأمنية في المغرب عن علو كعبها وأصبحت مرجعا على المستوى الدولي، وكذلك ركيزة تعتمد عليها العديد من البلدان، خصوصا الأوروبية..

كما أن المؤسسة الأمنية في المغرب تشتغل من أجل تجاوز التحديات التي تواجهها سواء على مستوى تكوين أطرها وتأهيل القائمين فيها على إنفاذ القانون أو على مستوى استعمال التقنيات الحديثة..

على سبيل المثال، في الجانب الحقوقي، سبق للمقرر الأممي الخاص المعني بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، خوان مانديز أن قال في تقريره عقب زيارته للمغرب في سنة 2014 أن التعذيب موجود في المغرب لكنه ليس سياسة للدولة. وقد انضم مانديز إلى المجتمع الحقوقي في المغرب للتوصية بضرورة تمكين القائمين على إنفاذ القانون من التكوين الذي يخول لهم القيام بعملهم بتقنيات تجنب استعمال التعذيب..

ومنذ سنوات عملت الإدارة العامة للأمن الوطني على توقيع شراكات مع مؤسسات حقوقية قصد تكوين القائمين على إنفاذ القانون من رجال الأمن، كما انفتحت المؤسسة على مؤسسات مختصة من المجتمع المدني للعمل من أجل تحقيق الهدف الأسمى وهو الحكامة الأمنية..

لا شك أن التحديات كبيرة، وما زال هناك الكثير من العمل في هذا الجانب، لكن لابد من الاعتراف أيضا بأن هناك عمل جدي قصد جعل الأمن شأنا وطنيا يهم المواطن ورجل الأمن في نفس الوقت. وهذا يتطلب عملا جديا وتراكما للممارسات الفضلى..

لا أحد يمكن أن ينكر حجم التحديات في هذا الموضوع، لكن لا الحلم ليس مستحيلا والدينامية متسارعة في هذا الجانب..