عكس الرقم الذي كشف عنه استطلاع المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، تطورا ملحوظا بمؤشر ثقة المغاربة في المؤسسات الأمنية، حيث ارتفعت النسبة من 77%  عام 2016 إلى 85%  في عام 2023، وقد وجدت هذه النسبة ترجمتها على أرض الواقع حين تقاطر آلاف الزوار على امتداد أيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بأكادير،  على مختلف الأروقة التي شدت انتباه الصغار كما الكبار، ليصل إجمالي عدد الزوار مليونين و120 ألفا، وهو رقم قياسي مقارنة بباقي الدورات.

وقد كان الحضور الصحفي ملفتا للبعض، وإن كان أمرا عاديا بالنسبة لحجم الحدث وعدد أنشطته وتنوع  زواره الذين مثلوا مختلف الفئات العمرية، ومكونات المجتمع المدني إلى جانب الحضور اللافت للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وما يعنيه ذلك من إعادة تشكيل مفاهيم أخرى مرتبطة بالمؤسسة الأمنية، التي لا يزال البعض حبيس نظرته المتوجسة حولها، وأحكامه المسبقة حول طبيعة الصحفي بالأمني على وجه الخصوص.

بعض التعليقات التي صاحبت صور عدد من الزملاء الصحفيين الذين حضروا احتفالات وأنشطة الأبواب المفتوحة للأمن الوطني، أو أولئك الذين اكتفوا بمشاركة الصور والتعبير عن فخرهم بهذه المؤسسة، تظهر "أمية" واضحة حول وظيفة الصحفي، وكأن دوره أن يناصب العداء للجميع، و"يعطيهم العصير" كما تقول لازمة مؤثري العوالم الافتراضية الذين يخوضون بطولاتهم من خلف الشاشات، ويحترفون تقسيم الناس لبطل وجبان، لصحفي مناضل وصحفي من الدرجة الثانية، وإن كان جلهم لا يفقه أبسط أبجديات العمل الصحفي، وأبجديات الاعتراف للناس بفضلهم، فالأمني في نهاية الأمر هو ذلك الفرد الذي اختار الانخراط في مؤسسة همها الأول الحرص على الجماعة، وما يعنيه ذلك من خطر وإكراهات عمل قد تنتهي بالبعض جثة هامدة، أو حاملا لعاهة مستديمة، أو متحفزا لخطر على مدار اليوم،  داخل دائرة مغلقة من الضغط النفسي  للأمني وأسرته.

ولرفع بعض الأمية عن وظيفة الصحفي التي ضاعت وسط فوضى المشهد، حيث أصبح الكل صحفيا في وقت فراغه، أو صحفيا يخلط بين النضال والمهنية، فلا بأس من التذكير، أن موقف  الصحفي من شخص أو مؤسسة أو حزب أو تيار، لا يجب أن يحول بينه وبين نقل الخبر كما هو، و التواجد بعين المكان وبجوار صناع القرارات والسياسات التي ربما لا تروقه، بعيدا عن تصريف مواقفه وأحيانا سمومه ومغالطاته.

بعض التعاليق التي تستوقف من شاهد فيديوهات توثق التغطية الكثيفة لأروقة الأبواب المفتوحة التي عرفت حضور 170 منبرا إعلاميا، تكشف أن فئة من رواد مواقع التواصل طبعت مع خطاب التبخيس والنقد من أجل النقد، والاعتقاد أن "الصحفي الواعر" هو من يحترف تسليط الضوء على نقاط العتمة فقط، دون لفت انتباه الناس للنقاط المضيئة التي لا تقل أهمية عن النقد ضمن ثنائية تراعي الوقوف على مسافة مما يتم تناوله إعلاميا.

ومن المحطات المضيئة أن نقف على ذلك التواجد الحقوقي الذي يتموقع بخطى متأنية داخل المشهد الأمني. وذلك الالتفاف حول أبناء مؤسسة تشكل لجانب مؤسسات أخرى عامل استقرار يسمح لنا بتدبير اختلافاتنا بعيدا عن الفوضى و"شرع اليد"، كما أنها من المؤسسات الأكثر استقطابا "لولاد الشعب"، لذلك كان من المفيد تسليط الضوء على الآفاق المهنية التي باتت تزخر بها هذه المؤسسة في ظل توظيف الجانب التكنولوجي والعلمي المتماهي مع إكراهات العصر وميولات جيل جديد نشأ مطبعا مع شاشات الهواتف وعوالمها ومفاهيمها الجديدة التي لا تشبه ما رسب من مفاهيم قديمة، ومن ضمنها ما يعلق لحد الساعة في ذهن البعض حول صورة المؤسسة الأمنية قبل عقود.