منذ حوالي شهرين، يباشر مهنيو الصحة العمومية إضرابات عن العمل. إضراب بتدرج بدأ بيوم ثم يومين والآن ثلاثة أيام في الأسبوع، يرافق ذلك وقفات إقليمية وجهوية، إضافة إلى وقفة أمام البرلمان...

الاحتجاجات يقف وراءها تنسيق نقابي مشكل من ثمان نقابات تمثل المشهد الأساسي في المغرب، بكل أطيافه. والمطالب متضمنة في ورقة على رأسها المطالبة بتنفيذ الاتفاقات والمحاضر الموقعة بين النقابات ووزارة الصحة في السنة الماضية، إضافة إلى مطالب أخرى مادية ومعنوية ومهنية..

الأشكال الاحتجاجية التي تباشرها الشغيلة الصحية تشمل التوقف عن العمل في كل الأقسام باستثناء المستعجلات والإنعاش، ومقاطعة تقارير وبرامج الصحة والحملات والاجتماعات مع الإدارة إلا ذات الطابع الاستعجالي.

قد يقول قائل: ثم ماذا بعد؟ فالاحتجاج حق والمطالب مشروعة.. طبعا هذا صحيح، لكن غير الطبيعي هو هذا الصمت الرهيب من الحكومة التي تترك مرة أخرى مشكلا سوف يكبر إذا لم يجد له حلا في آنه. وقد تجد الحكومة نفسها، إذا ما سارت على نفس النهج الغريب في التجاهل، أمام معضلة شبيهة بما وقع في قطاع التعليم وبما يقع مع طلبة كليات الطب... فلحد الآن لا وجود لتفاعل مع المشكل المطروح ومع إضرابات رجال ونساء الصحة. وقد يصل الأمر إلى تصعيد قد يكون قبيحا على كل ما يشتغل عليه المغرب في الجانب الصحي..

لا شك أن المسؤولين على القطاع الصحي يعرفون جيدا مخلفات الإضراب، ليس فقط على صحة المواطنين والمرتفقين، لكن أيضا على السياسة الصحية بالبلاد ككل. فمنذ مدة طويلة يمتنع مهنيو الصحة عن رفع التقارير للجهات المختصة، أضافوا إلى ذلك مقاطعة البرامج الصحية والحملات والاجتماعات، وهذا أكيد سيكون له انعكاس خطير على السياسة الصحية بالمغرب، وعلى الاستراتيجيات التي تقوم أساسا على المعطيات الميدانية. وما حالة ارتفاع الإصابات بمرض بوحمرون الذي اعتقد المغاربة أنه انتهى في المغرب ولم يعد يشكل خطورة سوى نموذج لما يعرفه القطاع الصحي من تراخ. وهنا تظهر أهمية التقارير التي يرفعها مهنيو الصحة خصوصا الممرضون والمرضات، والتي تشكل مؤشرا حقيقيا للواقع الصحي، وتشكل أداة تنبيه موجه للاستراتيجيات التي يجب القيام بها بشكل استباقي.

ليس هذا سوى مثال من بين العديد من الأمثلة الكثيرة والتي يكون فيها مهنيو الصحة عنصرا أساسيا ومحددا.

ماذا تنتظر الحكومة إذن؟ ولماذا وزير الصحة يتعامل وكأنه لا علاقة له بالموضوع أصلا؟ وهل يبقى الصمت غير المبرر من الحكومة هو الأصل ليتكرر معه ضرب البرامج والاستراتيجيات الكبرى للمغرب، خصوصا وأن ورش الصحة من أكبر ما فتحه المغرب ويعول عليه ليكون قاطرة التنمية.

يعلم الجميع أن جلالة الملك حث على استكمال تدابير التغطية الصحية الشاملة في السنة المقبلة، لكن هل يمكن تدبير الملف بمثل هذه الأخطاء التي تتطلب حلا استعجاليا، ليس بالضرورة بتكلفة كبيرة، ولكن بعقلانية وحكامة ينخرط فيها المهنيون.. أما سياسة الصمت والتجاهل، وترك الأمور تسير كما اتفق، فلا يمكن إلا أن تعطي نتائج غير محمودة. النقابات سطرت برنامجا احتجاجيا لشهر يونيو أيضا، وهددت بالتصعيد. فهل ستتحرك الحكومة أم تترك الأمر يتضخم ليصل إلى مستوى فضيحة شبيهة بما وقع في قطاع التعليم؟