في حملتها الموسومة بشعار "الألف يوم الأولى أساس مستقبل أطفالنا"، تراهن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، على رفع وعي الأمهات بأهمية هذه المرحلة الأولى من حياة الطفل، وتأثيرها على نموه البدني والمعرفي والاجتماعي والعاطفي.

لا يزايد أحد على أهمية هذه الخطوة والحاجة الملحة لتعميمها بين صفوف الأسر عموما، والأمهات بوجه خاص ; لكن بالمقابل، هناك حاجة لأزيد من ألف يوم توعية وتحسيس ومراقبة داخل قطاع الصحة الذي يتخبط في عشرات المشاكل، بداية من الخصاص في الأطر والمعدات، مرورا بطول المواعيد وغياب حس التواصل الإنساني وصولا إلى أزمة طلبة الطب.

كلها مشاكل ترمي بتداعياتها على المريض بالدرجة الأولى ;وكم يكون حجم المعاناة مضاعفا حين يتعلق الأمر بالمرضى الأطفال  الذين يجدون أنفسهم داخل دوامة طلب العلاج بالمستشفيات العمومية، التي يحتاج محو أثرها من الذاكرة .. أزيد من ألف يوم. فالأم التي تراهن الحملة على جعلها جزء من عملية تنشئة صحية لطفل المستقبل، تجد نفسها رفقة الأب المغلوب على أمره، تحت رحمة حارس أمن فظ، ولا مبالاة طاقم تمريضي أصبح من العادي أن تسمع المرضى يشيدون بحسن خلق أحدهم كحالة شاذة وسط المشهد، ومزاجية عاملة نظافة لها من السلطة ما يجعلها تتحكم في أي المراحيض يجب أن يفتح في وجه المرضى الأطفال والمرافقين لهم، وتعالي بعض الأطباء المتدربين مع مرضى الهوامش.

مشاهد متعددة محزنة، عشناها مع زملاء من المهنة حملهم القدر نحو مستشفيات الدار البيضاء تزامنا مع حملة الألف يوم، حيث عايشوا تجربة غيرهم من الآباء الذين حملوا فلذات أكبادهم نحو المستشفيات في أوضاع صحية حرجة، بعضها تحت التشخيص وبعضها شخص كمرض مزمن يحتاج علاجا طويلا، ما يعني مواجهة يومية لمعاملة ضاغطة قد تصل أحيانا لمستوى غير إنساني، فكيف لممرضة أن تطلب من سيدة أمية قياس حرارة طفلها الذي يتواجد بين الحياة والموت على مدار الليل، وأخرى تختار الانغماس في شاشة هاتفها غير آبهة بحرقة أم تطلب منها مرافقتها نحو غرفة طفلها الذي أصبح بدون حراك، ومرافق تنعدم فيها النظافة، وغياب ضروريات قد لا تتوفر لوالدين فقيرين شدا الرحال نحو العاصمة الاقتصادية، دون أغطية أو فائض مالي يسعف على ضمان لقمة تسد الرمق.

صحيح أن هناك إكراهات تعيشها الطواقم الطبية، ومجهودات جبارة تبدل على مستوى الوزارة، لكن الممارسات اليومية تكشف الحاجة الماسة لإعطاء أولوية للجانب الإنساني، فيكفي أن يواجه الآباء ذلك الاختبار الشاق وهم يرقبون طفلهم ممددا بين الحياة والموت فوق سرير المشفى، في سن يفترض أنه للعب واختبار مختلف أصناف الشقاوة، بدل أن تضاف له ممارسات حاطة من الكرامة ممزوجة بالخوف، حتى أن بعض الآباء يرفض التقدم بشكاية حول ما يعتبره تجاوزا، خوفا من إهمال طفله وعدم تقديم العلاج له .. فأي إحساس هذا يحول المشفى من فضاء للعلاج إلى مكان تتوجس فيه خوفا من انتقام مفترض !!

لذلك، أطفالنا يا وزير الصحة بحاجة لحملة الألف يوم، وما تمثله من استثمار مبكر في الرعاية الصحية التي اعتبرتموها تمهيدا لتأثير إيجابي على صحة الطفل ونموه الفكري وتنشئته الاجتماعية، لكن بعض الممارسات داخل المستشفيات، تشكل بوادر عقد نفسية تترسخ في ذاكرة الطفل المريض وأسرته المستنزفة ماديا ومعنويا داخل متاهة رحلة العلاج، ما يجعل الوافد المكره على المستشفيات، يخرج بخصومة مع القطاع تحجب بعض الإنجازات التي لا ينكرها إلا محروم من الاستفادة منها، ولا يحجبها سوى ممارسات أشخاص من داخل القطاع.