طرح الأسئلة هي مهمة الصحفي الأولى، وعلى أساس جواب الطرف المعني، يأتي الخبر. يرفع اللبس. يتوضح المبهم. تصحح المعلومة الخاطئة. تفنذ الإشاعة. يكشف الجزء المفقود في رواية أحدهم. تمرر تطمينات أو تتأكد تخوفات.

طرح السؤال مهارة تحتاج مرونة ولياقة فكرية، فبعض الأسئلة التي يستغرق طرحها ثوان، يحتاج الإعداد لها مراكمة ساعات من البحث المتحفز لإيجاد كلمات مفاتيح تنطق الجهة المعنية بالسؤال. وفي غياب الجواب ، يستفحل الفراغ كبيئة حاضنة للإشاعة، وللروايات المدغدغة لمشاعر متلقي تتقاذفه التدوينات وادعاءات "المؤثرين" أو تحليلات تنهل من "علم الغيب" لأشخاص يحاولون وضع رجل في خانة الصحافة وأخرى في خانة صناعة "اللامحتوى" المتعطش لحصد اللايكات.

لكن، يبدو أن على الصحفي اليوم ابتلاع لسانه، وأن يحتفظ بأسئلته وبرأيه الذي تتخلله تساؤلات لنفسه. على الصحفي أن يضع نفسه في "وضع صامت". على الصحفي أن يأخذ مكانه بين الحاضرين ليتحول إلى مجرد مقرر للجلسة. وفي حال وجد الصحفي نفسه أمام سؤال لعين يلح عليه للخروج إلى العلن، عليه أن يجتهد في تهذيبه كي لا يكون سؤالا محرجا، أو جارحا، أو مشاكسا. عليه أن يكون حريصا بنزع صفة السؤال عن سؤاله، عليه أن يطرحه ويتبرأ منه ويطمئن "المسؤول"  أن هذا ما يقوله الآخرون لا هو. عليه أن يؤكد لكل الجهات أنه ليس من الصنف الذي يطرح الأسئلة حتى لا يحرم من ميزة الحضور لندوات "الاستماع" الصحفية الضيقة التي يحرص منظموها أن تكون أقرب لجلسات تأمل يستمع فيها المسؤول لما يجول في ذهنه، وليذهب ما يجول من أسئلة في رأس الآخرين إلى الجحيم.

على الصحفي المسكون بطرح الأسئلة، أن يحرص على توثيق كم الأسئلة المعلقة التي ظلت بدون جواب في مساره المهني. فالناطق الرسمي باسم الحكومة، يملك مهارة رهيبة في إعادة صياغة السؤال لإقناع الحاضرين أنها في حكم الجواب. و منظمي الندوات على اختلاف عناوينها وقطاعاتها، ماهرون في فتح لائحة الأسئلة وإغلاقها دون جواب. وحق الصحفي في المعلومة مهضوم إلى أن يقتنع بأن مصير أسئلته البقاء معلقة. وعناوين بريد عشرات الوزارات والمؤسسات والمراكز أشبه ببئر مهجور ترمي فيها أسئلتك إيمانا منك أنك في زمن الرقمنة الكفيلة باختزال جهد التنقل والتنسيق دون أمل في الحصول على جواب ... بل إن الموقع الرسمي لمجلس النواب، وفي خانة مراقبة العمل الحكومي، يحجب عن متصفحيه أجوبة الوزراء المتعلقة بأسئلة تشغل باله وتعنيه ... فلا لوم على المواطن إن هو طرق باب صناع المحتوى والمؤثرين من داخل المغرب وخارجه ليقدموا لهم الجواب المنشود/ الملغوم.

ولا لوم على صحفي يبحث عن ملء بياض يخلفه صمت المعنيين على قطاعاتنا، بجواب على صفحات جرائد أجنبية لا تعدم وسيلة في رفع علامات الاستفهام بأساليبها الاستقصائية العابرة للقارات، وبتداعياتها القادرة على تغذية الإشاعات والرفع من مؤشرات اللاثقة في بعض الروايات الحكومية ووعودها وتعاليها على إشراك المواطن في المعلومة عبر وساطة صحافة مهنية، أداتها الأولى السؤال والاستفسار بغرض إيصال المعلومة الصحيحة، في زمن طفرة تكنولوجية قادرة على إغراق الساحة بالمعطيات التي يتأفف ذات المسؤول الصائم عن الكلام من تداولها لما تحمله من تبخيس، أو مغالطات إو إشاعات لا يكلف نفسه عناء المساهمة في التصدي لها عبر تقديم جواب واضح حول أسئلة معلقة.

وكل الخوف أن ينقرض السؤال الصحفي، وتنوب عنه عبارة "حاملي الميكروفونات" الجامعة المانعة المهادنة .. "تكلم لنا بإيجاز عن هذا النشاط" ..ليجيب المعني  بكل" نشاط ".