يحلم كل أب وأم برؤية أبنائهم على طريق النجاح، لكن في أسفي كانت هناك قصة مؤلمة في أول أيام امتحانات البكالوريا.

خلال هذه الفترة من الامتحانات وطوال مدة التحضير لها يعيش التلاميذ ضغوطات لا تنحصر فقط في الإعداد للامتحانات والتغلب على الصعوبات التي تعترض طريقهم في بعض المواد، ولكن أيضا في السؤال الوجودي الذي يتعاظم في أذهانهم: وماذا بعد؟

ماذا بعد اجتياز الامتحانات؟ ماذا بعد الحصول على الشهادة؟ ماذا بعد النجاح أو الفشل؟ ماذا بعد هذه الأيام العصيبة؟

الأسئلة مردها إلى التنشئة الاجتماعية التي تجعل الامتحان يبدو كالصراط، النجاح في اجتيازه يعني النجاة، أما الفشل فهو معادل للموت بل أكثر من ذلك يعادل الجحيم، وهو جحيم تأنيب الضمير وجحيم سخط العائلة وجحيم الوسط الاجتماعي الذي ينتقص من قيمة الشخص الذي يفشل في اجتياز الامتحانات.

الوسط المدرسي هو الآخر لا يتعامل بشكل بيداغوجي مع هذه الامتحانات لاسيما مع تنامي ظاهرة الغش وتطورها التكنولوجي، فأصبحت مشاهد الشرطة وهي تصاحب حقائب الامتحانات والحراسة المشددة في الأبواب تنعكس سلبا على المشهد العام، إذ إنه في الوقت الذي من المفروض أن تبعث هذه المشاهد على الاطمئنان والراحة صارت موضع توجس ومساءلة.

يغيب التهييء النفسي والبيداغوجي بشكل كبير على مستوى الميدان رغم أنه يحضر في المذكرات التربوية والوزارية بشكل عابر ومقتضب، ويتم التركيز منذ بداية العام على الشحن والتعامل مع الذاكرة والعمليات المنطقية وكأن الأمر يتعلق بآلة يتم إعدادها لعمل شاق ومضنٍ نهاية الموسم الدراسي.

ثقافة الامتحان سيئة في مجتمعنا، لأنها تحيل على مرحلة انتقالية ومصيرية يتغير فيها وضع الممتحن، وليست مرحلة تواصل للمعرفة والتعلم.

بالنسبة لامتحانات البكالوريا، فإن هذه الهالة تتضاعف، ولعل أكبر دليل هو صورة الأمهات والآباء الذين يرابطون أمام بوابة مراكز الامتحانات منذ ساعات مبكرة ثم ينتظرون انتهاء فترة الامتحان وخروج أبنائهم.

بالنسبة للأمهات، فإنهن يعتقدن أنهن يدعمن أبناءهن في هذه المرحلة، لكن الأمر يفرض ضغوطا مضاعفة على الأبناء أمام انتظارات الآباء.

هذه المشاهد كانت نهايتها في مدينة أسفي مؤلمة وتحولت إلى فاجعة بعدما قامت تلميذة بوضع حد لحياتها في أول يوم من الامتحان.

خرجت التلميذة من مركز الامتحان وتوجهت إلى كورنيش أسفي ثم ألقت بنفسها لترتطم بالصخور وتلفظ أنفاسها.

هكذا تداولت الأخبار آخر لحظات الفتاة، وهي التي خرجت في الصباح لاجتياز امتحان البكالوريا والمرور إلى فصل جديد من حياتها!

الوصف رديء جدا لأنه لم يستطع بلوغ الحالة النفسية للضحية ولا تمكن من الوصول إلى مئات الأسئلة التي انفجرت في رأسها، قبل أن تحرم نفسها من مواصلة الحياة.

كيف يمكن لشابة في مقتبل العمر أن تختار بين الحياة والموت في لحظة تلاطمت فيها كل أمواج بحر أسفي في ذهنها عاصفة دون أن تترك لها فرصة النجاة؟؟

الفاجعة ليست حادثا شاذا بل هي مؤشر خطير على فشلنا في تدبير حياة هؤلاء المراهقين خلال أشد مراحل السنة قساوة: نهاية الموسم الدراسي.

السؤال هو كيف نحول هذه القساوة إلى حياة جديدة؟

في النهاية فإن النجاح والفشل وجهان للحياة لا مكان فيهما للموت.