تتكرر تصريحات لتلاميذ ولأولياء أمور، في السنوات الأخيرة، عن "النقلة" في الامتحانات، وكيف أصبح الأمر مرتبطا بجهاز مفاهيمي غريب مثل "تعاملو معنا" يخليونا نقلو" "يتصاوبو معنا" وغيرها من الكلام الذي يعطي لمفهوم الغش وصفا عاديا، بل واقعا محتوما لا عيب فيه.

التصريحات المطبعة مع الغش تظهر بشكل كبير في امتحانات الباكالوريا، وتجد لها ترويجا كبيرا بالخصوص مع تطور التقنية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعية. غير أن أمر الغش أصبح حالة شبه عامة في كل الامتحانات، والخطير في الأمر أن هذا الفعل على الرغم من شناعته،مأمر يجد من يبرره داخل المجتمع.

مصيبة التطبيع مع الغش تسللت بشكل مخيف وأصبحت أمرا واقعا يمارسه الكثير من الممتحنين وفي مختلف الامتحانات. هذا الفعل المجرم قانونا والمرفوض أخلاقا، أصبح يمارس في كل المناسبات. وقد تحدث الإعلام عن وقوع الفعل في مستويات إشهادية تتطلب مستوى كبيرا من التعامل بنزاهة وبسمو الأخلاق. كان الحديث عن وقوع فعل الغش في عدة امتحانات تبدأ من التلاميذ والطلبة في المدارس والكليات، ليصل إلى امتحانات مهنية، وبعضها تتعلق بميادين تتطلب مستوى عاليا من النزاهة والشفافية وسمو الأخلاق..

لا أرغب في سرد أمثلة هنا، لأن الأمر بالفعل مخجل ويسائل المنظومة التربوية بكل وسائلها، لكن إثارة المعضلة، التي أصبحت تأخذ شكل الظاهرة، يتطلب دق ناقوس الخطر ومساءلة المجتمع ككل.

الغش في الامتحانات هو صورة مصغرة لفساد أصبح يأخذ مكانته بيننا وكأنه شكل طبيعي لا عيب فيه. فأصبحت قيمة الغش، على تدنيها، فعلا مقبولا بل هو عنوان على التمكن من ممارسة فن العيش وممارسة ذكاء لبلوغ مرامي، سواء تعلق الأمر بالترقي أو الحصول على منافع مادية أو معنوية..

هل أصبح المجتمع فاسدا بهذا الشكل؟ السؤال يجد صداه في عدة مظاهر يعرفها الجميع، ويصمت في مواجهتها الجميع، بل أصبحت "حقا" مشروعا وأمرا مقبولا من قبل فئات عريضة...

نتحدث عن الفساد في المجال التربوي والغش في الامتحانات. لكن هناك فساد يتفاقم بشكل خطير قي مجالات عدة.. هل نعرف عدد الذين ولجوا قبة البرلمان بواسطة الفساد؟ هل نغرف عدد المسؤولين الذين ارتقوا في المراتب بواسطة الفساد؟ هل نعلم عدد الذين اغتنوا بواسطة الفساد؟ هل نعرف عدد الذين ترقوا في الوظائف بواسطة الفساد؟ هي أسئلة لا يمكن أن تجد لها أجوبة، لكن أمر تعذر الحصول على جواب لا ينفي وجود فساد في كل هذه المواقع أو بعضها على الأقل. قد يكون حجم الفساد كبيرا أو صغيرا، حسب المواقف والمواقع، لكن من الصعب جدا نفي وجوده حتى وإن تعذرت القرائن فيه.

غير أن مشكلة الفساد، الذي تضع مجموعة من التقارير بلادنا في مرتبة لا يمكن أن نرضى بها، يبقى أمرا واقعا نعاينه باستمرار في حياتنا اليومية. فمن النادر أن نواجه الصدق والنزاهة في عدة مواقف سواء تعلق الأمر بمعاملات تجارية أو بمعاملات إنسانية. لقد استفحل الغش بشكل أصبح فيه أمرا واقعا نتعايش معه بشكل عادي.. والخطير في العملية، ليس وجود الغش، ففي كل العالم يوجد فاسدون غشاشون، لكن الخطير هو هذا التطبيع مع الفساد الذي أصبح يتسرب للمجتمع إلى درجة يصبح رديفا للسماح بـ"النقلة" في الامتحان، وقبول معاملات الفاسدين في مجالات أخرى.