أطلق الاتحاد الأوروبي إجراءات جديدة تستهدف الجزائر، اعتبرت بمثابة عقاب للنظام العسكري الذي سعى لمعاقبة إسبانيا، بعد قرارها التاريخي الاعتراف بمغربية الصحراء، والانحياز للحق المغربي في قضيته الأولى.

وكشفت عدد من التقارير عن مباشرة الاتحاد الأوروبي لإجراءات في حق الجزائر، بعد اتهامها بفرض قيود على صادرات عدد من دول الاتحاد، وبالخصوص إسبانيا، منذ 2021، كسياسة لجأت لها دولة العسكر، ردا على القرار الإسباني بالتعاطي الإيجابي مع قضية الصحراء المغربية.

وأعلنت المفوضية الأوربية الأسبوع الماضي، عبر بيان لها، عن إطلاق الاتحاد الأوروبي لإجراء تسوية الخلافات بحق الجزائر، تهدف لرفع القيود التي فرضها النظام العسكري على شركات أوروبية، تشكل عدة قطاعات، من ضمنها المنتجات الفلاحية وقطاع السيارات.

وأوضحت تقارير إعلامية أن لجوء الاتحاد الأوروبي لهذه الخطوات، الغاية منه الحفاظ على حقوق الشركات والمصدرين الأوروبيين المتضررين من قرارات النظام العسكري، الذي عمد، وكالعادة لسياسة الابتزاز التي يخلط فيها بين السياسة والاقتصاد، متجاهلا الاتفاقيات الموقعة والملزمة لكلا الطرفين.

وسبق أن نددت بروكسيل بسياسة النظام العسكري، عقب اعتراف إسبانيا بمغربية الصحراء، حيث انتقدت القيود المفروضة من قبل العسكر على الشركات الأروبية، والتي اعتبرتها تنتهك التزامات الجزائر، بموجب اتفاقية الشراكة بين الطرفين، وهي الاتفاقية التي تم التوقيع عليها في سنة 2002، ودخلت حيز التنفيذ في سنة 2005، وتضع إطارا للتعاون بين الجزائر ودول الاتحاد في عدد من المجالات، وبالخصوص في مجال التجارة.

ووفق متتبعين، فإن من شأن اللجوء لإجراء تسوية الخلافات دفع النظام العسكري لرفع القيود التي فرضها على الشركات الأوروبية، بما في ذلك دفع تعويضات عن خسائرها، وفي حالة عدم التوصل لحل، يحق للاتحاد الأوروبي طلب إنشاء لجنة تحكيم، من حقها تغريم الطرف المخل بالتزاماته، وإنزال عقوبات في حقه.

وتكشف ورطة النظام العسكري التسرع في اتخاذ مواقف غير مدروسة، حيث سبق أن دخل في عدد من الفضائح، بسبب ربطه سياساته الخارجية بقضية الصحراء المغربية، والتي أصبحت تشكل بالنسبة له محددا لكل قراراته حتى التي تتعلق بقضايا اقتصادية محضة.

وفي هذا السياق، كان النظام العسكري قد قرر تعليق علاقاته التجارية مع إسبانيا، ردا على إعلان حكومة سانشيز في مارس 2022، قرارها التاريخي بدعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية، مفتعلة أزمة جديدة مع حليف سابق، في سياق عدد من الأزمات التي غرق في دوامتها النظام العسكري مع عدد من الدول التي أعادت تقييم علاقتها مع المغرب.

وتأتي هذه الإجراءات الأروبية بالرغم من رفع النظام العسكري للفيتو الذي سبق أن فرضه على منتوجات إسبانيا، حيث سجلت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين تحسنا، وهو ما رصدته في تقرير لها وكالة الأنباء الإسبانية، التي قالت في ماي الماضي إن الصادرات الإسبانية نحو الجزائر سجلت عودة تدريجية في الأشهر الماضية.

وبالرغم من العودة الطبيعية للعلاقات التجارية والاقتصادية، لاتزال القطيعة السياسية قائمة، حيث فشل النظام العسكري في دفع إسبانيا للتراجع عن قرارها، بعدما ألغيت زيارة كانت مبرمجة لوزير الخارجية الإسباني للجزائر، في آخر لحظة، زعمت الجزائر أنها تأجلت بسبب الأجندة المضغوطة لساسة الجزائر، بينما في واقعها إعلان فشل لتحقيق المصالحة بين البلدين.

وكان من نتائج رفض وزير الخارجية الإسباني الحديث عن قضية الصحراء المغربية ضمن الزيارة التي كانت مبرمجة، أن تم اعتباره شخصا «غير مرغوب فيه» في الجزائر، حيث كانت صحيفة «الإندبيندنتي» الإسبانية قد نشرت ساعتها أن ألباريس تحول إلى شخص «غير مرغوب فيه» في الجزائر، بعد أن رفض مناقشة قضية الصحراء «وبأي شكل من الأشكال» خلال الإعداد لزيارته للجزائر التي كانت مقررة في 12 فبراير الماضي، مما دفع بنظامها إلى إلغاء الزيارة بشكل كامل.

وكشف هذا الموقف الوضع الذي يعيش عليه النظام العسكري في الجزائر، بعد الضربات التي تلقاها في مواقف كثيرة، ما دفعه لإعادة الكرة بمحاولة ابتزاز الحكومة الإسبانية، ما يكشف عن استمراره في تبني الأطروحة الانفصالية والدفاع عنها كقضية وجود لهذا النظام الفاقد لكل شرعية.

وربطت وسائل إعلام إسبانية تزايد حجم غضب النظام العسكري من إسبانيا، ليس فقط بسبب رفض وزير خارجيتها مناقشة قصية الصحراء خلال الزيارة الملغاة، بل أيضا بسبب الطفرة التي تعيش عليها العلاقات الإسبانية المغربية، والتي توجت بالزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة الإسبانية للمغرب، ولقائه بجلالة الملك.

وفي هذا السياق، كشفت تقارير إسبانية أن الوضع بين إسبانيا والجزائر ازداد «تأزما» بعد قيام رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز بزيارة إلى المغرب في 21 فبراير الماضي، ولقائه بجلالة الملك محمد السادس، وتأكيده مرة أخرى على دعم مدريد لمبادرة الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء تحت السيادة المغربية.

وبعودة العلاقات الإسبانية الجزائرية لنقطة الصفر تبين حجم الفشل الذريع الذي منيت به الديبلوماسية الجزائرية مجددا، بالنظر إلى أن النظام العسكري سعى خلال السنتين الماضيتين إلى إعادة ترتيب أوراقه مع الحكومة الإسبانية بعد النكسة التي تلت اعترافها بالصحراء المغربية، حيث راهن النظام العسكري في البداية على صعود حكومة جديدة إثر الانتخابات الأخيرة، قبل أن يقرر مد يد المصالحة مع حكومة سانشيز، بعد إعادة تنصيبه لفترة ثانية.