1. دماغنا والقراءة

تتشكل اللغة من المهارات الأربع: الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة، والأولى والثانية مهارتان طبيعيتان تكتسبان بالفطرة، والثالثة والرابعة مهارتان صناعيتان تكتسبان بالتعلم. ويختلف عمل الدماغ بالنسبة لكل منهما، بحيث يقوم بمجهود وعمليات بالنسبة لما هو تعلُّمي أكثر مما هو فطري.

دماغنا هو مركز القيادة في عملية القراءة، ومحرك جميع العمليات المتداخلة والمترابطة التي تمكننا من فك شفرات واللغة المكتوبة.

وهناك أربعة مراحل لترسيخ عادة القراءة في الدماغ: مرحلة تعلم القراءة، أي اكتساب الحروف والمفردات والبنيات والأساليب، ومرحلة نمو القراءة، ثم مرحلة تعود القراءة، فمرحلة استثمار القراءة، وتلي هذه المراحل مرحلة الإنتاج والإبداع.

- ما رأي الباحثين المعاصرين في كيفية تطور مهارة القراءة؟

بينما نكتسب اللغة المنطوقة عن طريق التعرض (exposure) بشكل طبيعي، علينا أن نتعلم القراءة وفق منهاج تعليمي بمساعدة معلم. وهناك تعليمات خاصة مرتبطة بمهارة القراءة، وهي تعليمات تغير بنية أدمغتنا وكيفية اشتغالها. فعندما نتعلم القراءة، لا يمكننا توقيف تشغيل هذه المهارات الجديدة التي تحدث في الدماغ، بحيث يبدأ الدماغ (بعد تعلم القراءة) يقوم بعملية آلية دون مجهود واع نحس به عند القراءة.

إن الدماغ البشري قادر على القيام بمجموعة كبيرة ومعقدة من العمليات التي تتطلبها قراءة مطبوع ما. لكن هذه المكونات القرائية ليس من السهل فصلها عن بعضها بسهولة أو تعليمها بانفصال عن بعضها. وتصف ماريلين أدامس هذا الأمر فتقول: "تنمو أجزاء النظام القرائي مع بعضها، وعليها أن تنمو من خلال بعضها ومن أجل بعضها". (1994, p.785).

2. الدماغ القارئ

يرى علماء الأعصاب أن هناك أربعة مناطق دماغية مسؤولة عن القراءة:

القشرة البصرية: the visual cortex 

القشرة الصوتية: the phonological cortex 

القشرة الدلالية: the semantic cortex 

القشرة التركيبية/ النحوية: the syntactic cortex

ويتكون الدماغ من شقين: أيمن وأيسر. ويمكن تقسيم كل شق إلى أربعة مناطق، أو باحات:

المنطقة الجبهية Frontal region: حيث يتم إنتاج الكلام/الخطاب (عمليات إنتاج الكلام مع الاستماع لحظيا).

المنطقة الجدارية Parietal-temporal region: حيث يتم تفكيك كل كلمة إلى أصواتها (التحليل الصوتي للكلمات).

المنطقة القذالية Occipital-temporal region: حيث يخزن الدماغ شكل الكلمة ومعناها (التعرف الحرفي للكلمة، والأتمتة automaticity والفهم).

وتعمل هذه المناطق في تكامل عن طريق تشكيل مسارات سريعة وفعالة في وقت القراءة. وهناك نوعان من القراءة، قراءة جهرية حيث يحول الدماغ أشكال الحروف المكتوبة على الصفحة إلى أصوات اللغة المنطوقة، وقراءة صامتة، وهي صامتة صوتيا لكنها غير صامتة ذهنيا، لأن قراءة الحروف كأصوات تكون حاضرة في الدماغ عند القراءة. في هذا الصدد يرى عالم الأعصاب سايدنبرغ Dr. Mark Seidenberg  أن السمة المميزة لمهارة القراءة هي إدماج المكتوب مع ما يعرفه الفرد عن اللغة الشفهية. (التصوير الذهني brain imaging).

من أشهر ما قيل في القراءة: "وأنت تتعلم القراءة دماغك يتغير، ولا بد في تعليم القراءة من العمل على تفعيل مناطق الدماغ المكلفة بالقراءة، عبر تدخلات وأنشطة".

 

3. الدماغ الناقد

سنرى أن المهارات التي يتم تفعيلها في تعليم القراءة هي بمثابة إعداد للدماغ القارئ ليصبح دماغا ناقدا. فالقراءة النقدية تقنية لاكتشاف المعلومة والأفكار داخل نص ما. وهي توازي اكتشافنا للحروف والكلمات ومحاولة اكتشاف المعنى في مرحلة التعلم.  هو إذن نوع من القراءة الحذرة النشطة، الفكرية، التحليلية. والتفكير النقدي يعني التفكير في صحة ما قرأته في ضوء معرفة أولى وفهم خاص للعالم.

ترتبط القراءة النقدية بما يقوله النص ويفعله ويدل عليه للوصول إلى تحليله. وتقتصر القراءة غير النقدية على تعرف ما يدل عليه النص (كلمة تعرف تتكرر كثيرا في منهاجنا المغربي). بينما تذهب القراءة النقدية إلى أبعد من ذلك، فبعد تعرف ما يقوله النص، يفكر القارئ فيما يفعله النص (what the text does)، هل يعطينا أمثلة؟ هل يستدل ويحاجج؟ هل يستدر عطف القارئ؟ هل يقوم بتعارض لتوضيح فكرة؟ للوصول إلى ما يدل عليه النص انطلاقا من عملية التحليل المذكورة. ونميز بين هذه المراحل كما يلي:

- ما يقوله النص: إعادة الصياغة: الكلام عن نفس موضوع النص.

- ما يفعله النص: وصف: مناقشة مظاهر مناقشة النص نفسها.

- ما يدل عليه النص: تحليل: التأويل.

تتمثل أهدا أهداف القراءة النقدية إذن في:

- معرفة وجهة نظر الكاتب

- فهم عناصر الإقناع

- معرفة التحيز

إن بناء القدرة النقدية يتم، أولا، عبر بناء دماغ قارئ، ثم عبر ترسيخ عادات قرائية  بشكل ذري تدريجي (Atomic Habits)، ثم عبر تنويع القراءات، ثم عبر تنويع اللغات.

* استاذة باحثة بكلية علوم التربية