بالرغم من تسجيل المملكة لتراجع في الاستثمارات الأجنبية، وفق تقرير الاستثمار العالمي، الذي كشف عن فقد المغرب لأكثر من نصف قيمة الاستثمارات الأجنبية ما بين عامي 2022 و2023، إلا أن السنة الحالية قد تعيد المؤشر لوضع أفضل، في ظل رصد الإعلان عن عدد من الاستثمارات الأجنبية الضخمة خلال السنة الجارية.

وكشفت تقارير إعلامية إسبانية أن أكثر من 360 شركة إسبانية نقلت أنشطتها إلى المغرب في الشهور الأخيرة، مستفيدة من العلاقات الجيدة بين البلدين‫، حيث ربطتها برغبة هذه الشركات تفادي سياسات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالضرائب المرتفعة.‬

كما تحدثت صحيفة «لاراثون» الإسبانية عن ما أسمته الهروب الجماعي للشركات نحو المغرب، وربطت تلك الطفرة المسجلة في تعقد السياسات والضوابط الجمركية في دول الاتحاد الأوروبي، مقابل وجود بيئة تجارية أكثر ملائمة في المغرب.‬

وأوضحت تقارير إعلامية أن بيانات المعهد الإسباني للصادرات والاستثمارات، تشير إلى إن 10 بالمائة من الشركات التي قررت الانتقال إلى المغرب تنتمي إلى قطاع الصناعات الغذائية، من قبيل شركات‫«ICEX»‬ و‫«EBRO FOOD»‬ وشركة ‫«BORGERS»‬، وهي من الشركات الرائدة في هذا القطاع‫.‬

وأضافت التقارير نفسها أن الشركات الإسبانية بنقل أنشطتها إلى المغربية ستسفيد من الإعفاءات الجمركية الأوروبية، في ظل وجود اتفاق أوروبي مع المغرب في مجال المنتجات الزراعية، تصل إلى 70 بالمائة من الإعفاءات الجمركية، مما قد يوفر 100 مليون أورو من الرسوم الجمركية على المصدرين الأوروبيين سنويا‫.‬

ووفق التقارير ذاتها، فإن الشركات القادمة للمغرب تعمد للاستفادة من مناخ الاستثمار، ومن الإجراءات الجمركية التي تنهجها السلطات المغربية، لعقد شراكات وتحالفات مع مؤسسات اقتصادية مغربية‫.‬

وفي هذا السياق أوضحت صحيفة ‫«‬لاراثون‫»‬ أن المغرب كان ذكيا في اعتماده لسياسات تسهل بشكل كبير تصدير المنتجات إلى الاتحاد الأوروبي، وهي السياسة التي تتيح لهذه الشركات إيجاد بيئة تجارية ملائمة وغير معقدة، وتفتح لها الباب مشرعا للتصدير لدول الاتحاد الأوروبي، حيث القرب الجغرافي يغري بالمغامرة غير المكلفة‫.‬

ويشكل هذا المثلث الذي يفرضه الاستثمار في المغرب، والمتمثل في القرب الجغرافي من دول الاتحاد الأوروبي ووجود بيئة تجارية ملائمة، ثم القدرة على التصدير باستثمار اتفاقيات التبادل الحر التي أبرمتها المملكة مع عدد من الشركاء، كالاتحاد الأوروبي، كلها عوامل ساعدت وتساعد في استمرار استقطاب العديد من الشركات العالمية‫.‬

وليست الشركات الإسبانية وحدها من انخرطت في هذا المد الاستثماري، بل سبقتها شركات عالمية عاملة في عدد من القطاعات الاقتصادية، كما حدث مع عدد من الشركات الصينية المتخصصة في مجال البطاريات الكهربائية، والتي قررت الاستثمار في المغرب، حيث ربطت تقارير اقتصادية دولية هذا المد الصيني بالحرب الاقتصادية القائمة بين الاتحاد الأوروبي والصين‫.‬

وتوقعت هذه التقارير أن يتزايد نقل العديد من الشركات الصينية لأنشطتها للمغرب في الفترة القادمة، وذلك في ظل استعداد دول الاتحاد الأوروبي لفرض رسوم إضافية على صادرات الصين من السيارات الكهربائية بقيمة 25 في المائة، حيث اتهمت رئيسة المفوضية الأوروبية، الأسبوع الماضي، الصين بتوفير الدعم لشركات تصنيع السيارات بشكل غير قانوني وتساهم في تشويه المنافسة، معلنة الشروع في تحقيق حول الدعم المقدم للسيارات الكهربائية، استعدادا لفرض رسوم إضافية تصل إلى 25 في المائة‫.‬

وتوقعت العديد من التقارير أن تكون هذه المنافسة والحرب الاقتصادية بين بروكسيل والصين من صالح المغرب، حيث قالت وكالة رويترز، في تقرير لها، إن خطة الصين لمواجهة التحركات الأوروبية ستقوم بالأساس على البحث عن قواعد إنتاج بأسعار معقولة خارج بلدان الاتحاد الأوروبي، مثل المغرب، موردة أن المملكة تحتضن شركات تصنيع البطاريات الصينية، مثل شركة ‫«غوتيون‫».‬

ووضع التقرير ذاته المغرب ضمن قائمة قصيرة من الخيارات التي ينتظر أن تلجأ لها بيكين لمواجهة إجراءات الاتحاد الأوروبي، حيث ذكرت أن شركات مثل « ‫«CHERYو«BYD»‬، أعلنت بالفعل عن خططهما لمغادرة هنغاريا وإسبانيا، ويتوقع أن يختارا المغرب لتوطين شركاتهما‫.‬

وبعيدا عن الشركات الإسبانية والصينية، سجلت المملكة كذلك استقطاب العديد من الشركات الدولية، وفي مجالات إنتاجية مختلفة، حيث نقلت كل من شركة ‫«‬ستيلانتس‫»‬ الهولندية، وشركة ‫«وينو»‬ الفرنسية، إنتاجهما للمملكة، وهي العمليات التي خلصت لها ‫«‬لاراثون»‬ الإسبانية، والتي دبجت تقريرها بالقول أن ظاهرة الخروب الجماعي للشركات العالمية نحو المغرب‫، يؤكد أن المملكة نجحت في تثبيت نفسها كمركز استراتيجي للشركات الأوروبية التي تسعى لتحسين عملياتها وزيادة تنافسيتها في السوق العالمية.‬