يواصل المغرب تأهيل مناطقه الجنوبية في أفق تحويل الصحراء المغربية إلى قطب اقتصادي رائد في إفريقيا، يراهن على خلق نواة دينامية اقتصادية في منطقة الغرب الإفريقي، في ظل الاهتمام العالمي بالاستثمار في القارة السمراء المقبلة على تحديات اقتصادية دولية.

ويبدو أن رهان المغرب على تحويل منطقة الجنوب لقطب اقتصادي ضخم بدأ يؤتي أكله في ظل تأكيد عدد من التقارير الدولية عن ذكاء المملكة في تحويل الصحراء المغربية لنقطة عبور بين إفريقيا وباقي العالم، عبر خلق بنية اقتصادية تربط أوصال دول إفريقيا الممزقة، وخلق منفذ لدول الساحل المحاصرة جغرافيا والبعيدة عن المحيط.

ووفق التقارير ذاتها، فإن فكرة ميناء الداخلة الأطلسي، وكذا مشروع طريق تزنيت الداخلة، والتي دخلت مراحل متقدمة من التنفيذ كانت مقدمة ذكية لفكرة رائدة من أجل خلق منطقة اقتصادية في منطقة الغرب الإفريقي، في ظل التسابق المحموم بين عدد من الاقتصاديات العالمية الساعية لوضع قدمها في إفريقيا.

وفي هذا السياق، قالت وكالة إيفي الإسبانية إن المملكة تبذل مجهودات كبيرة لتحويل الصحراء إلى قطب صناعي ضخم في إفريقيا، عبر عدد من المشاريع الكبيرة، ومن ضمنها بالخصوص مشروع ميناء الداخلة الأطلسي، ومشروع الطريق السيار تيزنيت الداخلة.

وأوضح التقرير أن المملكة بصدد تسريع وتيرة أشغال ميناء الداخلة الأطلسي، والذي بلغت نسبة الأشغال فيه حوالي 20 في المائة، بينما تواصل الشركات العاملة في المشروع الضخم لتحقيق أهدافه في زمن قياسي، لتشكيل ثلاثة أقطاب به، تتمثل في ميناء تجاري وميناء للصيد البحري، ثم ميناء لصناعة السفن.

ويأتي هذا المسعى المغربي لتحويل منطقة الساحل والصحراء والغرب الإفريقي إلى منطقة اقتصادية جديدة، في ظل إعلان ثلاث دول من منطقة الساحل وهي مالي والنيجر وبوركينافاسو عزمها إنشاء اتحاد كونفدرالي لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، وذلك خلال لقاء جمع زعماء الدول الثلاث السبت الماضي.

ويأتي الإعلان بالتزامن مع إعلان الدول الثلاث الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «الإكواس»، علما بأن هذه الدول سبق أن أعلنت ترحيبها بالمبادرة الملكية الأطسية، والتي قرر من خلالها المغرب فتح المجال البحري في وجه هذه الدول التي تعاني من عزلتها بسبب عدم توفرها على سواحل بحرية.

وبالقدر نفسه الذي سيساعد ميناء الداخلة الأطلسي دول الساحل من أجل الانفتاح الاقتصادي على العالم، سيكون الطريق السريع تزنيت الداخلة مدخلا آخر للتكامل الاقتصادي الإفريقي، حيث اعتبرت وكالة الأنباء الإسبانية أن من شأنه أن يعزز التجارة البرية بين المغرب وعدد من الدول الإفريقية، كما أنه سيشكل معبرا للربط بين إفريقيا وأوروبا.

كما رصدت عدد من التقارير الدولية الأهمية الكبيرة لهذا المشروع المقرر الانتهاء من أشغاله نهاية السنة الجارية، واعتبرت أنه سيغير الوضع الاقتصادي في منطقة الغرب الإفريقي، وكذا تعزيز موقع المغرب كنقطة عبور بين أوروبا وإفريقيا، خصوصا وأنه سيتم ربطه بموريتانيا عبر معبر الكركرات.

وتحدثت التقارير ذاتها عن أهمية هذا المشروع الضخم الممتد على مسافة 1055 كلم بقدرته على إحداث تغيير اقتصادي وتنموي بالجنوب المغربي، وكذا بالجوار الإفريقي، ما سيحقق التوقعات المغربية التي سبق أن أعلن عنها جلالة الملك في خطاب المسيرة الخضراء في ذكراها الـ48، حين أعلن جلالته عن استعداد المغرب تقديم دعمه لدول الساحل عبر فتح بنيته التحتية في وجهها، سواء ما يتعلق بالطرق أو الموانئ أو السكك الحديدية.

وسبق لمجلة «جون أفريك» أن أكدت أن المبادرة الملكية الأطلسية، التي يرغب المغرب من خلالها منح بلدان الساحل إمكانية الوصول إلى المحيط الأطلسي، لا سيما عبر بنيته التحتية الضخمة التي يجري بناؤها حاليا في الصحراء، حجر الزاوية لمشروع رائد غايته تحسين الظروف المعيشية لسكان دول منطقة الساحل.

وأوضحت المجلة الفرنسية أن المبادرة الملكية من أجل المحيط الأطلسي، المشروع الذي قدمه المغرب إلى أربع دول من منطقة الساحل (بوركينا فاسو والنيجر ومالي وتشاد) في دجنبر 2023 بمراكش، يهدف إلى تسهيل الوصول إلى بلدان الساحل غير الساحلية إلى المحيط، وفي نهاية المطاف إنشاء منطقة للتنمية الاقتصادية والتبادلات التجارية بين دول غرب إفريقيا وبقية دول العالم.

وأضافت «جون أفريك» أن المملكة مستعدة لإتاحة الطرق والموانئ والسكك الحديدية والبنية التحتية الصناعية لدول الساحل الأربع، والتي رحبت جميعها بهذه المبادرة، حيث قامت هذه الدول بالفعل بتشكيل فرق العمل الخاصة بها، من أجل تنظيم المناقشات الدبلوماسية وإطلاق دراسات الجدوى الأولى، تقول «جون أفريك».

وواصلت «جون أفريك» تقريرها بالقول أن الدبلوماسية المغربية تسعى إلى تحويل اقتصادات دول الساحل، وتحسين الظروف المعيشية للسكان وتأمين المنطقة التي تعاني من عدم الاستقرار الكبير، مشيرة إلى أن المغرب أبدى على مدى عقد من الزمن رغبته في أن يكون «مركزا» و«جسرا» بين غرب إفريقيا وأوروبا، والاندماج (أخيرا) في منطقة اقتصادية شبه قارية، مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.

وأوضحت «جون أفريك» أنه من عام 2013 إلى اليوم، كلف برنامج تنمية الأقاليم الجنوبية والصحراء 78 مليار درهم (من أصل 140 مليار درهم مخطط لها إجمالا)، وأن أكبر مشاريع الهيكلة مخصصة للطاقات المتجددة (لا سيما الهيدروجين الأخضر) والربط عبر الحدود بين المملكة ومنطقة الساحل وبلدان جنوب الصحراء الكبرى التي تتمتع بإمكانية الوصول إلى المحيط، وبالتالي التجارة العالمية.

وخلصت «جون أفريك» للقول أن «المبادرة الأطلسية الملكية» هي بمثابة دعوة لدول المنطقة لتحمل المسؤولية والتحلي بالواقعية، بعيدا عن الطوارئ السياسية، وأن المغرب أحضر الحجر الأول إلى المبنى، ولكن ستكون هناك حاجة إلى المزيد من الحجارة حتى تتمكن المملكة وبلدان الساحل من تحقيق طموحاتها.