حديث مكاسب وضمانات مبني على توجس مسبق من الطرف الآخر.. هكذا يبدو النقاش المتوتر حول مدونة الأسرة كما توثقه بعض البرامج الحوارية، أو التصريحات الصحفية أو توصيات فاعلين حقوقيين ... وكأن النقاش حصر في مشاكل ما بعد فشل مشروع الزواج وما يترتب عنه من صراعات، ما يطرح علامات استفهام حول صلابة الأرضية التي يجب أن تقوم عليها هذه العلاقة من الأساس.

في الجهة المقابلة حيث الأسر المعنية بالمدونة أو الشباب المقبل على تكوين أسر مستقبلية، يكاد المتتبع يجزم بأن هناك شبه غياب للاهتمام بالموضوع، لأن صدى النقاش حول المدونة الذي ترسخ منذ أزيد من 20 عاما ويتجدد اليوم في صيغة جديدة ، يتمحور حول قناعة واحدة مفادها أن  الانخراط في هذا النقاش حكر على أصحاب "النيات الناقصة"، وكأن الزواج بوابة نحو المجهول يجب اقتحامها بأعين مغمضة لينال طرفاها بركة الدوام والاستمرارية، مع استعداد مسبق للتخبط العشوائي في مطبات هذه العلاقة التي بات من المتاح جدا اليوم معرفة أدق تفاصيلها، بفضل "هتك الستر" الاختياري الذي يقبل عليه البعض لتقاسم تجاربهم  في الزواج على قنواتهم باليوتيوب وحساباتهم بمختلف مواقع التواصل.

وبفضل هذه القنوات والحسابات، اكتشفنا أن هناك علاقة هلامية تبتلع الناس باسم الزواج .. وما هي بزواج، حيث يغيب التصور الواضح حول الغاية من هذه العلاقة ومصيرها، ومدى التوافق أو التكامل بين الطباع، و حدود تواجد أسرتي الزوجين في حياتهما، ومدى احترام الخصوصيات والمعرفة بالشريك إلى جانب ما ينتظره كل طرف من الآخر، ناهيك عن الوضع المادي الضاغط الذي يطرح سؤالا محوريا حول ضمانات إنجاح زواج في سياق يجرف العالم نحو نمط استهلاكي غير مسبوق، نجد معه أن بعض الأزواج ما عادوا يتحرجوا من فتح اللايفات ليتحولوا إلى فرجة من أجل جني المال السهل، بينما يجني آخرون قوتهم في ظروف صعبة تنعكس بدورها على حياتهم الزوجية حيث تشتكي الزوجة ضغط العمل ومسؤوليات البيت، ويشتكي الزوج إهمال الزوجة وسوء تربية الأبناء في تقاذف للمسؤوليات...

وبعد أن كان الطلاق أبغض الحلال الذي قد ينهي علاقة الأصل فيها الدوام بعد  انغلاق سبل الاستمرار عقب سنوات من الزواج، أصبحت بعض الأسر تستيقظ على خبر تعنيف بناتها في أول أيام الزواج، بينما يطرق آخرون باب الطلاق بعد أسابيع أو أشهر من الارتباط، وفي حالات أخرى يتطور الأمر لحد التعنيف والتنكيل الذي ينتهي بالقتل. وبسماع شهادات عدد من الأسر، نكتشف أننا بحاجة لوثيقة تخبرنا أن هناك "زواج للحظر"، نمنع بموجبها وقوع آلاف الجرائم التي تنفذ باسم الزواج.

فجريمة قتل زوجة شابة بالصويرة على يد زوجها المعلم ومئات الجرائم المشابهة، ما كانت لتقع لو أن هناك وثيقة تحظر زواج المرضى النفسيين الذين يتوجب عليهم الاستفادة أولا من العلاج، وما كانت لتقع لو كان هناك سبيل لمعرفة مدى قدرة الزوجة على التمييز والاختيار الذي يتوهم البعض أنه متاح بمجرد بلوغ الأنثى 18 عاما، وإلا كيف تقبل شابات فوق العشرين على الارتباط بأشخاص تبدو عليهم كل العلل النفسية والعقلية والسلوكية والاجتماعية الكفيلة بجعل الزواج المنتظر فاشلا ومتوترا،مع تمرير العقد المترتبة عن هذه الزيجة المختلة إلى الأبناء "الضحايا"، لتصبح مؤسسة الزواج محطة لإعادة إنتاج علل مجتمعية لن تفلح إصلاحات المدونة في تغييبها دون الانخراط في ورش توعوي لرفع الأمية حول عقدنا وعللنا وعلل الآخر السلوكية والنفسية، قصد التشخيص والعلاج والتجاوز، قبل الحصول على وثيقة تثبت الأهلية للزواج.