*   أمين عام رابطة علماء المسلمين بدول أمريكا اللاتينية

عارض الكثير من الدعاة والمشايخ وأئمة المساجد وبعض الكتاب والباحثين في المملكة المغربية خطبة الجمعة الموحدة وأغفلوا عمدا الأسباب والمسببات التي دفعت بالمجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية اتخاذ هذا القرار الصائب الذي ينضوي تحت خطة تسديد التبليغ، وهو مشروع تسعى من خلاله مؤسسة العلماء، برعاية مؤسسة إمارة المؤمنين في المغرب، إلى النهوض بأمانات العلماء في واجب تبليغ الدين من أجل تحقيق مقومات الحياة الطيبة في المعيش اليومي للناس؛ بحيث يكون لإيمانهم وعباداتهم ثمرات تنعكس على نفوسهم بالتزكية وصلاح الباطن، وعلى سلوكهم بالاستقامة وصلاح الظاهر.

وذلك تحققا بوعد الله تعالى لعباده بهذه الحياة، مشروطة بالإيمان وبثمرته في العمل الصالح، في قوله تعالى: "مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ" . فهذه الخطة التجديدية في الحقل الديني المغربي سترفع لا محالة منسوب القيم الأخلاقية في المجتمع، كما سترفع من  وعي المصلين والمواطنين وتوجيههم نحو طريق الخير والصلاح والفلاح، و أظن أن خطبة الجمعة في عالمنا الإسلامي اليوم تحتاج إلى تطوير وتجديد وعصرنة من أجل مسايرة الواقع المعاصر ومستجداته.

 فالمسلم اليوم ليس هو المسلم الذي عاش في القرن الرابع الهجري؛ لهذا يحتاج إلى مخاطبته بلغة جديدة، وبأسلوب جديد، وبمواضيع جديدة كذلك  تركز على الجانب الروحي والأخلاقي والتربوي، مع مخاطبته بالعقل والنقل والتاريخ والجغرافيا والقانون والحقائق العلمية التي توصل إليها العلم الحديث، وهذا حسب رأيي ما تود تحقيقه خطة تسديد التبليغ وخطبة الجمعة الموحدة في المملكة المغربية، وخصوصا فيما يتعلق بالتربية الأخلاقية؛ لأن المسلمين اليوم في أمس الحاجة إلى التربية والتزكية والقيم الانسانية الفاضلة، وخير وسيلة لتحقيق هذا الهدف النبيل هو "منبر الجمعة" الذي يحضره لاستماع الخطبة الملايين من المسلمين حول العالم كل أسبوع ؛ علما أن التربية الأخلاقية هي المقياس الصادق الذي تقاس به خطواتُ تقدم الشعوب، ونهضة الأمم، بل هي الأساس المتين الذي تبنى عليه عظمة الدول وارتقاؤها، فما ارتقت أمة في العالم القديم أو الحديث إلا وكان سببُ ذلك سمو أخلاقِ أفرادها، وقناعتُهم، واقتصادُهم، وحبُّهم الناسَ محبتَهم أنفسَهم، وإخلاصُهم في العمل لوطنهم، وانتشار روح النشاط والإقدام فيما بينهم، وبعدُهم عن الزور والكذب والمحسوبية والزبونية والرشوة والغش والتطفيف في الكيل والميزان.

 بالإضافة إلى احتكار السوق وأكل أموال الناس بالباطل، والمشي بين الناس بالنميمة، والتي تعد من أكبر الكبائر ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمام" فالمشي بالنميمة والسعي بين الناس بالكلام القبيح، كونه ينقل كلام هؤلاء إلى هؤلاء، وكلام هذا إلى هذا، مما يسبب البغضاء والعداوة بين الأهل والأحباب والأقارب والجيران..وفي هذا السياق يقول مارتن لوثر "ليست سعادة الدول بوفرة إيرادها، ولا بقوة حصونها، ولا بجمال مبانيها، وإنما سعادتها بكثرة المهذبين من أبنائها، وعلى مقدار الرجال ذوي التربية والأخلاق فيها".

وما انحطت أمة، ولا أفل نجم مجدها، ولا زال سلطانها إلا بزوال تلك الأخلاق الفاضلة من نفوس أبنائها، وانغماسهم في الشر والفساد. وبالأخلاق الكريمة تسمو الأمم وترتقي، وقد ربط كثير من العلماء والمؤرخين بقاء الأمم وذهابها بالأخلاق، فكلما تعامل أفراد المجتمع مع بعضهم بعضاً بخلق حسن، نمت الحياة وازدهرت وأنبتت الخير بكل أشكاله، حتى إن كثيراً من الشعراء تغنوا بها، ولعل بيت أمير الشعراء أحمد شوقي: "وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا" خير دليل على ذلك.

 وقد نادى أيضاً فلاسفة العصور القديمة كأفلاطون والفارابي بقيم المدينة الفاضلة، ودعوا إلى سمو الأخلاق، والسعي لرفعة المجتمعات من خلال تأصيلها ونشرها بين الناس بعد وعيهم وإدراكهم لقيمها وقيمتها، وبانطماس هوية الإنسان من دونها. وفي ظل المتغيرات الدولية والحياة المعاصرة المعقدة، مع بروز ظواهر اجتماعية خطيرة على الساحات الوطنية والدولية التي أصبحت تؤثر في حياة وسلوك الناس، فإن التربية الأخلاقية صارت ضرورة ملحة وواجب شرعي وديني في عنق كل مسلم ومسلمة، ومن ثمّ فإن علينا جميعاً تنميتها في نفوسنا ونفوس أبنائنا وشبابنا، والعمل بها والتقيد بمكارمها حتى نرتقي بوطننا ونحقق المزيد من العطاء للإنسانية جمعاء.

وختاما، يقول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا" . رواه الترمذي .