هل كان ضروريا أن يخلق عميد الكلية الحدث السلبي برفض تسليم شهادة التخرج لطالبة ترتدي الكوفية الفلسطينية؟

السؤال لا يحتاج جوابا.

ماقام به العميد، أو في الحقيقة مالم يقم به، هو الذي رفض القيام بدوره وتسليم شهادة التخرج لطالبة استحقتها، أمر عبثي، غير ذكي كثيرا، ولم يكن أي منا يحتاجه في المغرب اليوم، لكنه تم، لذلك لابد من الحديث عنه، ولابد من إدانة سلوك العميد، ولابد من تذكيره بأن المغاربة يحبون الكوفيات الفلسطينية قبل أن تولد "حماس"، وقبل أن يسطو التيار الظلامي على "القضية الفلسطينية"، ويحولها إلى رسم تجاري يزايد به على الجميع.

في زمن آخر، لعلنا عشناه أو لم نعشه حقا، كانت الكوفية الفلسطينية رفيقة رحلة الدراسة الجامعية كلها في الحرم الجامعي مكناس (مولاي إسماعيل).

كنا نرتديها جميعا، نحن الطلبة المغاربة العاديون، لكي نقول بها إن هناك ظلما واقعا على شعب في أرض بعيدة عنا جغرافيا، قريبة منا عاطفيا، وأننا سنظل نرتديها إلى أن يرتفع ذلك الظلم.

كبرنا قليلا أو كثيرا، ولم تعد تلك الكوفية ترافقنا إلى محلات عملنا أو تحركنا، ورأيناها تغير الأعناق، وتعتلي رقاب أناس لم يكونوا في السابق مناضلين لأجل فلسطين، بل ربما كانوا يحاربون المناضلين الحقيقيين من أجل القضية. لكن الأمر لم يغير من حبنا للكوفية شيئا باعتبارها رمز تلك الأرض، ورمز مقاومة ذلك الظلم الذي لم يرتفع، بل ازداد حزنا وقسوة، عندما انهارت الفصائل الفلسطينية التي حملت القضية، وسطا تجار الدين على كل شيء، ووجدوا في السطو وسيلتهم لممارسة هوايتهم الكئيبة والمفضلة والوحيدة: تقسيم المجتمعات العربية إلى خائن وغير خائن، متصهين وغير متصهين، مناضل لأجل القضية وبائع للقضية.

ومع ذلك بقيت الكوفية الفلسطينية، وشعر محمود درويش، وأغاني مارسيل وقعبور والميادين، وغصن الزيتون الذي سقط منذ زمن، والصور القديمة التي ظلت كتب التاريخ تحكي لنا عن فلسطين، وسيلتنا لإعلان إصرار داخلي على رفع ذلك الظلم الواقع على ذلك الشعب يوما ما.

غيرنا ربما طريقة التفكير في كيفية رفع ذلك الظلم، لكننا لم نقبله أبدا، ولن نقبله في يوم من الأيام، وسنظل نقول إن السلام العادل والشامل، وحل الدولتين، هو السبيل لرفع ذلك الظلم المزمن عن ذلك الشعب الذي لايستحق هذا الذي يجري له، ولايستحق أن تقتله فقط إسرائيل كل يوم مئات المرات بعربدة فاجرة، مثلما لايستحق أن يبقى الرهينة السهلة ذات الدماء الرخيصة التي يختبئ وراءها تجار الدين قبل الذهاب إلى المفاوضات وتسلم ثمن الدم الفلسطيني الغزير الذي سال.

لذلك ستظل الكوفية الفلسطينية رمزا جميلا لهذا النضال من أجل رفع هذا الظلم في يوم من الأيام.

كيف فاتت هاته البديهية البسيطة العميد إياه ليلة تسليم شهادات التخرج؟

لا أدري، ومع عدم الدراية هذا، أطرح سؤالا آخر: كيف فاتتنا عديد الأمور حتى أصبح الخلط سيد الموقف، ولم يعد صوت واحد قادرا على التغلب على أصوات المزايدات التخوينية الفارغة؟

كيف؟