على خطى سلاطين المغرب وملوكه، حرص جلالة الملك محمد السادس بصفته أميرا للمؤمنين .. كل المؤمنين، منذ اعتلائه العرش، على ترك بصمته الخاصة للحفاظ على إرث التسامح في صيغته المغربية، فخلال افتتاحه سنة 2003 ورش إصلاح مدونة الأسرة، كان المغاربة اليهود ضمن أولويات الملك بصفته أميرا لكل المؤمنين، حيث توخى في توجهاته السامية كما جاء في خطاب المدونة،  "الحرص على حقوق رعايانا الأوفياء المعتنقين للديانة اليهودية فقد أكدنا في مدونة الأسرة الجديدة ان تطبق عليهم أحكام قانون الأحوال الشخصية المغربية العبرية."

هذا الحرص المولوي شكل امتدادا لإرث مغربي حافل بقيم التسامح واحتضان الديانات، وهو ما ذكرت به الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الندوة الدولية حول موضوع "الحضارة الإسلامية في الأندلس وظاهرة التسامح" التي احتضنتها الرباط في مارس 2002،  والتي اعتبرها الملك فرصة لإعادة تسليط الضوء على مرحلة متميزة ومتفردة من التاريخ الإسلامي، في ظل واقع مرير تسوده الأزمات التي يروح ضحيتها الأبرياء، حيث أكد جلالته أن المغرب كان له إسهام كبير في بناء الأندلس  وتشييد حضارتها وثقافتها منذ الفتح وعلى مدى ثمانية قرون، ما جعل منها مثالا لتعايش الأعراق والمعتقدات والثقافات تحت مظلة الإسلام بتسامحه.

وفي سنة 2023، سيعيد جلالة الملك التأكيد في رسالته الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر البرلماني الدولي المنعقد بمراكش حول "حوار الأديان"، على "حرص المملكة المغربية بأن تظل نموذجا للدولة التي يتعايش على أرضها، في أخوة وأمان، معتنقو الديانات السماوية... فعلى هذه الأرض تعايش ويتعايش المسلمون واليهود والمسيحيون منذ قرون" يقول جلالته مذكرا باستقبال المغرب لآلاف المسلمين واليهود الذين فروا من الاضطهاد الديني من شبه الجزيرة الإيبيرية، خلال القرنين 15 – 16، كما استحضر صاحب الجلالة جهود جده الملك الراحل محمد الخامس، الذي وفر الرعاية والحماية لآلاف اليهود الفارين من اضطهاد حكومة فيشي المتحالفة مع النازية، وهو نفس النهج الذي واصله جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، الذي كان حريصا على ترسيخ قيم التعايش بين كافة المغاربة مسلمين ويهود.

وأكد جلالته في ذات السياق، حرصه منذ تولي العرش على تعزيز روح الأخوة والتعايش والتعاون والتلاحم بين المغاربة، يهودا ومسلمين، معتبر الأمر واحدا من الركائز الأساسية للحضارة المغربية، والحقوق الدستورية التي تشير للدولة كضامن لممارسة الشؤون الدينية، مجددا التأكيد على كون الملكية وإمارة المؤمنين الضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية، وحماية اليهود والمسيحيين المغاربة القادمين من الدول الأخرى.

 وقد تمثلت العناية الملكية بالمعطى اليهودي باعتباره جزء من الهوية المغربية، في عملية إعادة تأهيل المقابر اليهودية والمزارات وأحياء اليهود الخاصة في عدد من المدن المغربية وهي المعروفة ب"الملاح" ، كخطوة لتخليد جزء من ذاكرة المملكة، إلى جانب تشكيل هيئات تنظيمية للطائفة اليهودية المغربية، بهدف تدبير شؤون الطائفة  والاعتناء بتراثها اللامادي، كمكون من مكونات الثقافة المغربية، ويتعلق الأمر ب"المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية" ومهمته  تدبير شؤون الطائفة والمحافظة على التراث والإشعاع الثقافي والشعائري للديانة اليهودية وقيمها المغربية الأصيلة، إلى جانب "لجنة اليهود المغاربة بالخارج" ومهمتها العمل على تقوية أواصر ارتباط اليهود المغاربة المقيمين بالخارج ببلدهم الأصلي، وتعزيز إشعاعهم الديني والثقافي، والدفاع عن المصالح العليا للمملكة.

 أما الهيئة الثالثة التي تقرر استحداثها بموجب التنظيم الجديد فهي "مؤسسة الديانة اليهودية المغربية" ودورها السهر على النهوض والاعتناء بالتراث اللامادي اليهودي المغربي والمحافظة على تقاليده وصيانة خصوصياته. وتأتي هذه الخطوة انسجاما مع تأكيدات الرسالة الملكية للمشاركين في مؤتمر "حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية"، الذي احتضنته مراكش في يناير 2016، حين قال جلالته "إننا في المملكة المغربية لا نرى مبررا لهضم أي حق من حقوق الأقليات الدينية، ولا نقبل أن يقع ذلك باسم الإسلام، استناد على التراث الحضاري وتاريخ المملكة العريقة في التعامل النبيل بين المسلمين وبين غيرهم من أتباع الديانات".

كما أكد جلالته على تمكين المسيحيين المقيمين إقامة قانونية بالمغرب من أداء واجباتهم الدينية بمختلف طوائفهم وكنائسهم المتعددة، إلى جانب تمتيع المغاربة اليهود بالحقوق نفسها المخولة للمسلمين بالدستور، ما يسمح لهم بالانخراط في الأحزاب والمشاركة في الانتخابات، وتأسيس الجمعيات، إلى جانب أدوارهم في النشاط الاقتصادي والاستشارة...