المبادرات الملكية المستحضرة لعراقة قيم التعايش  الممتدة لقرون، جعلت من المغرب تحت إمارة المؤمنين، حاضنة لمحطات دولية مهمة في مسار حوار الأديان والحث على ضرورة الانفتاح على قيم التسامح في أكثر من مناسبة، حيث أكد جلالته سنة 2002، بمناسبة احتضان الرباط للندوة الدولية، حول "الحضارة الإسلامية في الأندلس وظاهرة التسامح"، أن هذه المواضيع تكتسي أهمية خاصة في ظل الأزمات والتحديات التي يعيشها العالم، والتي أفرزت مرجعيات متطرفة مبنية على رفض الاختلاف والغلو في الاعتداد بالرأي، ما يفضي لمواجهات عنيفة وأحداث أليمة.

واعتبر جلالته أن هناك حاجة ملحة إلى مراجعة تعيد الأمور إلى نصابها بحكمة وتعقل من أجل تخليق الحياة العامة وجعل العلاقات بين الشعوب قائمة على مبادىء الوسطية والاعتدال والتعايش  والتساكن والتواصل والتحاور والمجادلة بالتي هي أحسن على أساس من التسامح والإقرار بالاختلاف ، كما أكد جلالة الملك خلال احتضان فاس سنة 2018 للمؤتمر الدولي لحوار الثقافات والأديان، أن المسار الذي اختاره المغرب للانفتاح على الآخر، ليس وليد الصدفة، وهو ما تشهد به المجموعة الدولية  التي أكدت على التزام المغرب الموصول بالقيم التي يمثلها حوار الثقافات والديانات، واعتبر جلالته أن كرم الضيافة من شيم المغاربة الذي يشمل أيضا كرم الروح، ما يجعل من النموذج المغربي متفردا على المستوى الإقليمي.

وأعاد جلالة الملك التأكيد مرة أخرى، حين احتضان مراكش للمؤتمر البرلماني الدولي حول "حوار الأديان" سنة 2023، على راهنية الموضوع في ظل السياقات الدولية والإقليمية، وذلك بحضور برلمانيين وقيادات دينية وباحثين من كل العالم،  حيث عبر جلالته عن أسفه لتواصل العنف بسبب العقيدة الدينية أو المذهبية، مذكرا بالإبادة الجماعية، والحروب المدمرة التي كانت بداياتها خطابات وإيديولوجيات التعصب للعقيدة الدينية، أو للطائفة أو للعرق.

ورغم هذه الصورة القاتمة، اعتبر جلالة الملك أن مثل هذه المبادرات الدولية التي يحتضنها المغرب، تشكل نقطة مضيئة لاجتماع أصحاب الضمائر الحية لمد جسور الحوار  بين مختلف الديانات والحضارات والثقافات، لتجنيب البشرية شرور الفتن ،مؤكدا أن الوصول لهذه النتيجة يتطلب ربط القول بالفعل، مع الحرص على تجديد مفهوم الحوار بين الأديان، وتحقيق نقلة نوعية في الوعي الجماعي بأهميَّة الحوار والتعايش، مع التنبيه من مخاطر الاستمرار في منطق الانغلاق والتعصب والانطواء.

ودعا جلالته القيادات الدينية والسياسية والفكرية، إلى تقديم رد عقلاني ورزين ومقنع على نزوعات التعصب والكراهية والازدراء بالأديان، ومعاملة الناس حسب ديانتهم أو مذهبهم أو عرقهم أو بشرتهم، مؤكدا" أن الشعور بالخوف من ديانة ما، أو بالأحرى التخويف منها، يتحول إلى حالة كراهية لمظاهر هذه الديانة والحضارة المرتبطة بها، ثم إلى التحريض ضدّها، ثم إلى تمييز وأعمال عنف".