الخاصية في هذا البلد أننا نعيش يوميا إنجازاتنا، لكننا لانحتفل أبدا بهاته الإنجازات. ننوه بها و إليها، ونواصل المسبر. نعتبرها ضروريات العيش. أشياء لابد منها، وأمورا لامفر من الجري وراءها لتحقيقها باستمرار .

لنقل إنه عرفنا المغربي، وعادتنا التقليدية الأولى: أننا نفهم أن المغرب، ومعه المغربية والمغربي، لايستحقون إلا الأفضل.

لذلك نجدنا تقريبا مثل من يستحون من التهليل لأي إنجاز من إنجازاتهم، عكس الآخرين تماما، الذين يهللون للفراغ الفارغ قبل المليء من الأمور.

ربما نحن في المغرب نميل إلى النقيض تماما، وفي عديد المرات نبخس نفسنا حقها، ونقلل من قيمة ماحققناه، ونعتبر أنه ليس بالشكل الكامل الذي نتمناه.

هو ليس جلدا للذات. أبدا. هو فقط جرينا المغربي الدائم وراء الكمال، ووراء الأفضل لهذا البلد، ولهذا الشعب.

وهو أيضا الاقتناع الراسخ الذي يصل حد الإيمان المطلق، لدى أبناء هذا الوطن الأصليين، أن الموعد المغربي هو دائما مضروب مع الأفضل.

لذلك، لانكتفي من التطور، ولانشبع من الخير والتقدم لوطننا، ودوما نقول "هل من مزيد؟"

هذه السنة نحتفل بذكرى مرور 25 سنة على تربع جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، على عرش أسلافه الميامين.

نقول العبارة بطريقتها العريقة قصدا، لأنها يجب أن تقال هكذا، ويجب أن تكتب هكذا، ويجب أن يصل معناها هكذا، فبلد عريق مثل المغرب، بالحمولة التاريخية والحضارية والجغرافية المتوفرة للمملكة، بلد ملزم بالحفاظ على كل ثوابت التكوين فيه، بما فيها وفي مقدمتها ثوابت الحديث، لكي نعرف مجددا، ويعرف معنا الجميع، وكل من يهمه الأمر أننا لانتحدث عن بلد عاد، أو وطن من الأوطان المتشابهة.

لا، نحن في حضرة المغرب العظيم.

لذلك سيكون الاحتفال بذكرى ربع قرن الغالية هاته احتفالا مغربيا غير عادي، من لدنا هنا في هاته الجريدة، وهاته المؤسسة.

سنفتح الكتاب مجددا، مثلما عشنا كتابة أسطره يوما بعد الآخر، ومثلما تفاعلنا مع كتابة هاته الأسطر المغربية البراقة يوميا بكل الحب المغربي الممكن.

وطبعا نشعر بمرح شديد حين يقال لنا إنكم تنافقون بلدكم بمدحه كل هذا المدح، ونرغب في أن نردها إلى قائلها بالتأكيد بأن المغرب بلد أذكى من أن تنافقه بما ليس فيه.

بلد النبوغ المغربي هذا لايصدق إلا الصادقين، ولديه مع الفراسة والحاسة وذكاء التمييز، شيء ما كالبركة، أو هو البركة فعلا، يساعده على الغربلة الدقيقة، والفصل الحاسم الأكيد بين من يقولون فقط الكلام لأنهم ملزمون بقوله، أو يتقاضون مقابل القول، أو يطمعون في هذا المقابل، وبين الصادقين ممن يحسون المغرب يوميا بلدا فوق الأقوال، راغبا في الأفعال تلو الأفعال فقط، وتاركا للسادة المتفرجين الأفاضل، هنا وهناك، ترف التنقيط الفارغ، ومنح درجات التميز هنا، والفشل هناك، غير مهتم ولاعابئ إلا برأي واحد وأوحد: رأي الشعب يوميا على أرض الواقع، والسلام.

لنفتح الكتاب المغربي العريق إذن، من اليوم وحتى يوم عيد العرش المجيد، ولنراجع الدرس، ولنستعد مع بعضنا البعض، ماكان ولم يعد، وماكان وبقي، وما لم يكن وصار اليوم واقعا نعيشه، ونعتبر أنه عادي، ونطمح إلى المزيد…

تابعونا، وكونوا في الموعد، فالمناسبة غالية حقا وهي تستحق كل الاهتمام.