منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش، حرص على سن التغيير منهجية لاشتغال الدولة، بما عرف بـ "المفهوم الجديد للسلطة". وهو المنهج الذي شمل مناحي مختلفة في تسيير الدولة بما فيها مجال السياسة الخارجية، التي كانت بحاجة ماسة إلى دينامية جديدة لتقوية الآلة الدبلوماسية. وفي هذا الصدد دعا جلالته في كلمة وجهها إلى المشاركين في الاحتفال باليوم الوطني للدبلوماسية المغربية بمدينة طنجة يوم 28 أبريل 2000 إلى: "لسهر على تأسيس دبلوماسية مغربية تحكمها وتؤطرها سياسة خارجية وطنية.. ورسم معالم توجه مستقبلي لرفع التحديات، ومضاعفة الجهود لوضع إطار مؤسسي جديد". وما زرعه الملك محمد السادس في بداية عهده بدأ المغرب يجني ثماره حاليا، حيث ارتفعت وتيرة التغيير والنجاحات الدبلوماسية خلال السنوات الأخيرة

جيل جديد من السفراء

لمواكبة الزخم الذي بصمت عليه الدبلوماسية في عند الملك محمد السادس، صار المغرب يختار بعناية "ديناموات"، تنزيل الرؤية الملكية في المجال الدبلوماسي، على المستوى الخارجي، وذلك بتعيين سفراء من عيار ثقيل بعواصم مؤثرة، خدمه لمصالحه الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، وتجسد هذا النهج من خلال تعيين المغرب - أخيرا -لسفراء جدد في كل من: الولايات المتحدة، فرنسا، الصين، الإمارات العربية المتحدة، الأردن ومصر، في إطار تنشيط الدبلوماسية المغربية التي تشهد حراكا مكثفا في الفترة الأخيرة تماشيا مع الدور الفاعل للمغرب في أفريقيا وكذلك على الصعيد الدولي، في وقت تميل فيه العديد من الدول المؤثرة إلى الطرح المغربي في قضية الصحراء المغربية.

ومن الأمثلة على "البروفايلات" الجديدة التي صار المغرب ينتقيها بعناية لكسب رهاناته، في إطار علاقاته مع دول العالم تم- أخيرا - تعيين الإعلامية "سميرة سيطايل"، سفيرة لدى فرنسا حيث تملك بصمة مهنية متميزة في مجال الإعلام بفضل انخراطها في المشهد الإعلامي المغربي وتنويع خطه التحريري من خلال استراتيجية بلورتها في القناة الثانية.

ويؤشر اختيار إعلامية على رأس الدبلوماسية بعاصمة الأنوار باريس على أهمية الدور التواصلي في هذه المرحلة التي تشهد بوادر تغير في الموقف الفرنسي لجهة دعم مغربية الصحراء، خصوصا أن "سميرة سيطايل" تخرجت من جامعة باريس ديديرو (باريس7)، تخصص اللغة والحضارة الأمريكية، والمدرسة العليا للإخراج السمعي البصري. كما حصلت على ماجستير في "مهن التواصل" وآخر في "تواصل المقاولات والمؤسسات والمخاطر" من المدرسة العليا للدراسات في علوم الإعلام والتواصل "سيلسا سوربون".

وسيكون دور السفيرة بارزا مع عودة العلاقات بين المغرب وفرنسا، بعد فترة طويلة من الجمود، حيث بدأت بمشاركة المغرب في مناورات عسكرية مع فرنسا، وقد وصلت الفرقاطة المغربية "طارق ابن زياد" إلى قاعدة تولون البحرية في إطار مشاركة البحرية الملكية في هذه المناورات، وانضمت مروحياتها من طراز "بانتر" إلى القاعدة الجو بحرية.

واعتبر محللون أن السلطات الفرنسية في طريقها إلى التجاوب مع السياسة التي حددها الملك محمد السادس في تعامله مع شركائه الأوروبيين، والتي تقوم على الخروج من المنطقة الرمادية فيما يتعلق بالموقف من قضية الصحراء، مثل: ألمانيا، إسبانيا وهولندا التي أكدت على موقفها من خلال مساندة مبادرة الحكم الذاتي.

ووجدت فرنسا أن موقفها للحفاظ على علاقاتها مع الجزائر، والقيام بتحركات استفزازية ضد المغرب بدأ يضرّ بمصالحها بالمملكة، وهو ما دفع قصر الاليزيه للقيام ببعض التحركات للتقارب مع المغرب، وذلك من خلال إرسال وفد فرنسي ضم مسؤولين عسكريين الى العيون، ما نجم عنه استقبال الملك للسفير الفرنسي بالرباط، وكذلك تعيين سفيرة جديدة بباريس.

كما ألقى المندوب الفرنسي بمجلس الأمن، كلمة عبّر من خلالها عن مساندة فرنسا لمبادرة الحكم الذاتي، وأشار من خلالها إلى أن باريس كانت من المؤيدين لهذه المبادرة منذ 2007.

وتمهيداً لتحسين هذه العلاقات، قد يتم تسهيل زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون للمغرب بعد عدة تأجيلات، بالإضافة إلى عقد اجتماع اللجنة المختلطة الذي تم تأجيله أيضًا.

ولا تخرج واشنطن عن دائرة اهتمام المغرب بعد موقفها المتضامن مع حقوق المغرب في صحرائه، وجاء اختيار يوسف العمراني، خريج معهد الإدارة التابع لجامعة بوسطن، سفيرا لدى الولايات المتحدة الأميركية، لأنه يعتبر دبلوماسيا محنكا بمسار حافل في مجال السياسية الدولية.

وانطلق المسار الدبلوماسي للعمراني بتقلده منصب قنصل عام للمغرب في برشلونة، وعين سفيرا للمملكة في كولومبيا والإكوادور وبنما سنة 1996، ثم سفيرا لدى الشيلي في 1999، ولدى المكسيك وغواتيمالا والسلفادور وهندوراس وكوستاريكا ونيكاراغوا وبليز سنة 2001.

ومنذ 2013، شغل الدبلوماسي المغربي منصب مكلف بمهمة بالديوان الملكي، قبل أن يعينه الملك محمد السادس سنة 2019 سفيرا لدى جمهورية جنوب إفريقيا، وجمهورية بوتسوانا، وجمهورية مالاوي ومملكة إسواتيني.

ومن الأسماء الجديدة أيضا أحمد التازي، سفير المغرب لدى الإمارات العربية المتحدة، بعد أن شغل المهمة ذاتها بالقاهرة، وهو حائز على شهادة مركز الشرق الأقصى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية، التابع لجامعة الدفاع الوطني بواشنطن.

ومن بين المناصب التي تقلدها، مستشارا للأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي بجدة سنة 1997، ومستشارا للأمين العام مكلفا بالتنسيق بين الأمانة العامة والهيئات الملحقة والمؤسسات المتخصصة التابعة للمنظمة، ونائبا لرئيس ديوان الأمين العام للمنظمة، ثم مديرا للتنسيق بين الأمانة العامة للمنظمة وهيئاتها الملحقة في سنة 1998.

وفي سنة 2009، تولى منصب مدير التعاون الثقافي والعلمي بوزارة الشؤون الخارجية، فمديرا للشؤون العربية والإسلامية في 2011، ومديرا للمشرق والخليج والمنظمات العربية والإسلامية بالوزارة ذاتها.

أما الدبلوماسي فؤاد أخريف الذي تم تعيينه كاتبا سفيرا للمغرب بالأردن، فقد تولى عام 1988 منصب كاتب أول بسفارة المغرب بروما، ثم منصب نائب رئيس البعثة بسفارة المملكة بالكويت. وبعد عودته إلى الرباط، تم تعيينه رئيسا لقسم العلاقات الثنائية بمديرية الشؤون العربية والإسلامية (2006- 2011)، ثم مكلفا بمهمة بديوان الوزير.

وفي سنة 2012، تم تعيين أخريف رئيسا لقسم الخليج بمديرية المشرق والخليج والمنظمات العربية والإسلامية. ومنذ 2017 يتولى منصب مدير لهذه المديرية بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج. وله مؤلف بعنوان "الصحراء المغربية بين التاريخ والقانون والسياسة".

بدوره، التحق عبد القادر الأنصاري الذي عينه الملك محمد السادس سفيرا لدى جمهورية الصين، بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون سنة 1983. وبصفته دبلوماسيا شغل منصب المدير العام للوكالة المغربية للتعاون الدولي، وتمثلت مهمته في النهوض بالتعاون المغربي/الإفريقي في شقه الثقافي.

كما تولى رئاسة مصلحة التعاون مع الدول الإفريقية من 1994 إلى 1995، ثم رئيسا لقسم المنظمات العربية والإسلامية سنة 2001، قبل أن يشغل منصب نائب رئيس البعثة بسفارة المملكة بالجزائر (1995-2001)، ومنصب كاتب للشؤون الخارجية بسفارة المغرب في أثينا من 1990 إلى 1992. وشارك الأنصاري الذي شغل أيضا منصب سفير المغرب في ستوكهولم وأثينا، في عدة بعثات في إفريقيا وأمريكا.

ويعد محمد آيت أوعلي، الذي عينه الملك محمد السادس سفيرا للمغرب لدى جمهورية مصر العربية دبلوماسيا محنكا. ففي سنة 1994 تم تعيينه مستشارا بسفارة المملكة في مصر، ثم مكلفا بالدراسات بديوان وزير الشؤون الخارجية والتعاون سنة 1999.

وفي سنة 2000، تولى منصب القائم بأعمال السفارة المغربية في تونس قبل تعيينه في السنة التالية نائبا لرئيس هذه البعثة الدبلوماسية.

كما تم تعيين آيت أوعلي، الذي عمل مندوبا دائما للمملكة لدى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم من 2001 إلى 2004، سفيرا للملك بالمنامة (2005 -2010)، ثم في أبو ظبي من 2011 إلى 2021، قبل أن يعود إلى الوزارة مستشارا بديوان الوزير.

وبهذه "البروفايلات" يراهن المغرب في سياسته الخارجية على الكفاءة التي من شأنه حفظ مصالح المملكة والدفاع عن ثوابت الأمة ووحدة البلاد، وفتح مجالات للتواصل والعلاقات المتينة المبنية على الثقة المتبادلة بين الشعوب.