بعد القائه خطاب الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء من مدينة العيون عاصمة الصحراء المغربية وما حمله من قرارات مصيرية, اختار الملك محمد السادس في السنة الموالية أي سنة 2016 العاصمة السينغالية دكار ليلقي منها خطاب الذكرى الواحدة والأربعين بما حمله من رسائل حول القضية الوطنية.

اختيار العاصمة السنغالية دكار قلب افريقيا لتوجيه خطاب إلى الأمة بمناسبة الذكرى 41 للمسيرة الخضراء يوم الأحد 06 نونبر 2016, اعتبر بمثابة تأكيد لانتماء المغرب إلى العمق الإفريقي",وذلك قبل الإعلان عن العودة الى مقعده الطبيعي بالمنظمة القارية أي الاتحاد الافريقي.

وقال جلالته بالمناسبة " إنني وأنا أخاطبك اليوم، بمناسبة الذكرى الحادية والأربعين للمسيرة الخضراء، من مدينة دكار، عاصمة جمهورية السنغال الشقيقة، أعرف أنك لن تتفاجأ بهذا القرار. فالسنغال كان من بين الدول التي شاركت في هذه الملحمة الوطنية، الى جانب دول إفريقية وعربية أخرى"

وأشار الخطاب الملكي الى أن "هذا البلد العزيز، كان دائما في طليعة المدافعين، عن الوحدة الترابية للمملكة، ومصالحها العليا. بل أكثر من ذلك، فقد أبان قولا وفعلا، في عدة مناسبات أنه يعتبر مسألة الصحراء المغربية، بمثابة قضيته الوطنية", مضيفا أنه "لن ينسى المغاربة موقفه التضامني الشجاع، أثناء خروج المغرب من منظمة الوحدة الافريقية، سنة 1984، حيث اعتبر الرئيس السابق، السيد عبدو ضيوف ، أنه لا يمكن تصور هذه المنظمة بدون المغرب". واكد أنه "هو نفس الموقف الذي عبرت عنه آنذاك، العديد من الدول الافريقية، مثل غينيا والغابون والزايير سابقا".

وعن اختياره للسينغال, قال جلالته " اخترت السنغال أيضا ، لمكانته المتميزة في إفريقيا، بفضل نموذجه، الديمقراطي التاريخي، واستقراره السياسي والاجتماعي ، وديناميته الاقتصادية. إضافة إلى علاقات الاخوة والتضامن، ووحدة المصير التي تجمع عبر التاريخ الشعبين السنغالي والمغربي، كشعب واحد، حيث يشكل كل منهما الامتداد الطبيعي للآخر ، في تلاحم فريد، بين بلدين مستقلين، يحترمان خصوصيات بعضهما".

وكشف جلالته حينها أن موضوع الخطاب سيكون حول القضية الوطنية , بقوله "ذا كنت قد خاطبتك، في مثل هذا اليوم ، من السنة الماضية، من العيون، بالصحراء المغربية، بخصوص افريقيا، فإني أخاطبك الآن من قلب إفريقيا، حول الصحراء المغربية", موضحا أن "هذا الخطاب من هذه الأرض الطيبة، تعبير عن الأهمية الكبرى التي نوليها لقارتنا", وأن "السياسة الافريقية للمغرب، لن تقتصر فقط على إفريقيا الغربية والوسطى، وإنما سنحرص على أن يكون لها بعد قاري، وأن تشمل كل مناطق إفريقيا".

في ذات الخطاب, أشار الملك محمد السادس الى أنه قام بزيارات إلى كل من رواندا وتنزانيا.لاضفاء "دينامية جديدة ، على العلاقات الاقتصادية والسياسية بين بلداننا، لما تمثله هذه المنطقة من وزن سياسي وما تتوفر عليه من طاقات اقتصادية، ومؤهلات استراتيجية".

تلك كانت "المحطة الأولى من الجزء الثاني، من جولته في عدد من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك في سياق رجوع المغرب إلى المؤسسة القارية" حسب ما أكده جلالته في ذات الخطاب .

وأكد جلالته في نفس الخطاب أنه يتطلع أن "تكون السياسة المستقبلية للحكومة، شاملة ومتكاملة تجاه إفريقيا، وأن تنظر إليها كمجموعة", وانه ينتظر من "الوزراء أن يعطوا لقارتنا، نفس الاهتمام، الذي يولونه في مهامهم وتنقلاتهم للدول الغربية".

لذلك اكد الخطاب الملكي حينها أن "المغرب يحتاج لحكومة جادة ومسؤولة". وأن "الحكومة المقبلة، لا ينبغي أن تكون مسألة حسابية، تتعلق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية، وتكوين أغلبية عددية، وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية. بل الحكومة هي برنامج واضح، وأولويات محددة، للقضايا الداخلية والخارجية، وعلى رأسها إفريقيا. حكومة قادرة على تجاوز الصعوبات التي خلفتها السنوات الماضية، في ما يخص الوفاء بالتزامات المغرب مع شركائه", مضيفا أن "الحكومة هي هيكلة فعالة ومنسجمة، تتلاءم مع البرنامج والأسبقيات. وهي كفاءات مؤهلة، باختصاصات قطاعية مضبوطة".

وبناءا على ذلك, ومن العاصمة دكار أكد الملك محمد السادس انه سيحرص على أن "يتم تشكيل الحكومة المقبلة، طبقا لهذه المعايير، ووفق منهجية صارمة, ولن أتسامح مع أي محاولة للخروج عنها". لأنه يضيف أن "المغاربة ينتظرون من الحكومة المقبلة أن تكون في مستوى هذه المرحلة الحاسمة".

لم يخف الخطاب الملكي ارتبط المسار الديمقراطي والتنموي بمصير قضية الوحدة الترابية بقوله "إننا نؤمن بأن ترسيخ المسار الديمقراطي والتنموي، وتعزيز سياستنا الإفريقية، يساهمان في تحصين الوحدة الوطنية والترابية".

قبل ذلك كان الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس، يوم الجمعة 06 نونبر 2015، إلى الأمة بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة  من مدينة العيون بالصحراء المغربية, قد أكد أن "تخليد الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء ليس حدثا عاديا، أو احتفالا عابرا، بل نريده مرحلة فاصلة في تاريخ استكمال الوحدة الترابية للمملكة", وذلك بالإعلان عن تطبيق النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، وجعلها نموذجا للتنمية المندمجة، وتعزيز إشعاع الصحراء كمركز اقتصادي، وصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي.

وأعلن  فيه الملك محمد السادس عن قراره "تعبئة كل الوسائل المتاحة لإنجاز عدد من الأوراش الكبرى، والمشاريع الاجتماعية والصحية والتعليمية بجهات العيون الساقية الحمراء، والداخلة وادي الذهب، وكلميم - واد نون", ومنها انجاز طريق مزدوج، بالمواصفات الدولية، بين تيزنيت - العيون والداخلة, وإقامة محور للنقل الجوي، بالأقاليم الجنوبية، نحو إفريقيا, وبناء خط للسكة الحديدية، من طنجة إلى لكويرة، لربط المغرب بإفريقيا. الى جانب بناء الميناء الأطلسي الكبير للداخلة، وإنجاز مشاريع كبرى للطاقة الشمسية والريحية بالجنوب، وربط مدينة الداخلة بالشبكة الكهربائية الوطنية. وكشف عن تطلعه لربط هذه الشبكات، والبنيات التحتية، بالدول الافريقية.

وبعد اطلاق  الأوراش المهيكلة والمشاريع المتعلقة بنموذج تنموي خاص بالأقاليم الجنوبية للمملكة, أكد جلالته عن التزام المغرب ب" بجعل الصحراء المغربية مركزا للتبادل ومحورا للتواصل مع الدول الإفريقية جنوب الصحراء، وبوضع البنيات التحتية اللازمة لذلك". مضيفا أنه "بإقدامه على تطبيق الجهوية، والنموذج التنموي، فإن المغرب يريد أن يعطي حظوظا أوفر، لإيجاد حل نهائي، للنزاع المفتعل حول وحدتنا الترابية".

وأعاد الخطاب الملكي التذكير أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها سنة 2007 هي "أقصى ما يمكن للمغرب أن يقدمه", وأن "تطبيقها يبقى رهينا، بالتوصل إلى حل سياسي نهائي، في إطار الأمم المتحدة". وشدد على أنه "مخطئ من ينتظر من المغرب، أن يقدم أي تنازل آخر. لأن المغرب أعطى كل شيء . أعطى من أرواح أبنائه، دفاعا عن الصحراء". كما اعلن أنه "سيتصدى للحملات العدائية، التي تستهدف المنتوجات الاقتصادية المغربية، بنفس روح التضحية والالتزام، التي يقدمها في المجالين السياسي والأمني ، دفاعا عن وحدته ومقدساته". وأيضا سيواجه "بنفس الصرامة والحزم، ... كل المحاولات، التي تستهدف التشكيك، في الوضع القانوني للصحراء المغربية، أو في ممارسة سلطاته كاملة على أرضه، في أقاليمه الجنوبية، كما في الشمال".