كم هو جميل هذا اليوم، الذي أعود فيه إلى البيت، بعد طول غياب. كم هو جميل هذا اليوم، الذي أحمل فيه قلبي ومشاعري إلى المكان الذي أحبه ! فأفريقيا قارتي، وهي أيضا بيتي. لقد عدت أخيرا إلى بيتي. وكم أنا سعيد بلقائكم من جديد. لقد اشتقت إليكم جميعا.".. بهذا الإحساس المرهف والعواطف الجياشة استهل الملك محمد السادس كلمته أمام رؤساء الدول الأفريقية, في اختتام قمة الاتحاد  الافريقي في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا مباشرة اثر عودة المغرب الى مكانه الطبيعي بالمنظمة الإفريقية بعد قطيعة دامت ما يقارب 32 عاما.

ففي اختتام قمة الاتحاد الثامنة والعشرين في أديس أبابا، دُعي الملك محمد السادس يوم الثلاثاء31 يناير 2017 لإلقاء كلمة أمام رؤساء الدول الأفريقية المشاركين في أشغال القمة الثامنة والعشرين لقادة دول ورؤساء حكومات بلدان الاتحاد الافريقي برئاسة ألفا كوندي. كانت لحظة تاريخية, استقبل فيها الوفد المغربي بقيادة جلالة الملك بحفاوة كبيرة, واختلطت فيها الأحاسيس والمشاعر الصادقة بدموع الفرحة والانتصار والعودة الى الحضن الافريقي.

لم ينتظر الملك محمد السادس, كما قال في خطابه, "استكمال الإجراءات القانونية والمسطرية، التي ستفضي لاستعادة المملكة مكانها داخل الاتحاد", بل قرر زيارة مقر الاتحاد الافريقي بنفسه والقاء كلمه أمام "أخواته وإخوانه الأعزاء قادة الدول", اعتبر فيها أن "الدعم الصريح والقوي، الذي حظي به المغرب، لخير دليل على متانة الروابط التي تجمعنا".

عاد الخطاب الملكي الى لحظة الخروج من المنظمة القارية حينها منظمة الوحدة الافريقية سنة في 12 نونبر من سنة 1984, وقال " لقد كان الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية ضروريا : فقد أتاح الفرصة للمغرب لإعادة تركيز عمله داخل القارة، ولإبراز مدى حاجة المغرب لإفريقيا، ومدى حاجة إفريقيا للمغرب".

وتابع الملك محمد السادس أن "قرار العودة إلى المؤسسة الإفريقية ثمرة تفكير عميق. وهو اليوم أمر بديهي", مضيفا أنه "حان موعد العودة إلى البيت : ففي الوقت الذي تعتبر فيه المملكة المغربية من بين البلدان الأفريقية الأكثر تقدما، وتتطلع فيه معظم الدول الأعضاء إلى رجوعنا، اخترنا العودة للقاء أسرتنا. وفي واقع الأمر، فإننا لم نغادر أبدا هذه الأسرة", وأنه "رغم السنوات التي غبنا فيها عن مؤسسات الاتحاد الإفريقي، فإن الروابط لم تنقطع قط ؛ بل إنها ظلت قوية. كما أن الدول الأفريقية وجدتنا دوما بجانبها".

وكشف جلالته أمام الزعماء الأفارقة, أن المغرب عمل على تطوير علاقات ثنائية قوية وملموسة مع البلدان الإفريقية, وأنه منذ سنة 2000، أبرم معها حوالي ألف اتفاقية همت مختلف مجالات التعاون. كما قام بزيارات الى مختلف جهات ومناطق القارة لاعطاء دفعة ملموسة لهذا التوجه, مشيرا أنه "تم التوقيع أيضا، خلال كل واحدة من الزيارات الستة والأربعين، التي قمت بها إلى 25 بلدا إفريقيا، على العديد من الاتفاقيات في القطاع الخاص".

كما أشار جلالته  الى صوابية "التوجه الإفريقي للمغرب" مضيفا أنه " اختار تقاسم خبرته ونقلها إلى أشقائه الأفارقة". وأنه " يدعو، بصفة ملموسة، إلى بناء مستقبل تضامني وآمن". ولذلك فان "المغرب لا يدخل الاتحاد الإفريقي من الباب الضيق، وإنما من الباب الواسع" يضيف الخطاب الملكي. ودعا " الأمم الإفريقية إلى الانخراط في الدينامية التي أطلقتها بلادنا، وإعطاء دفعة جديدة لقارتنا برمتها", مؤكدا أن المغرب اختار "سبيل التضامن والسلم والوحدة", بل والتزامه "من أجل تحقيق التنمية والرخاء للمواطن الإفريقي".

وكان الملك محمد السادس قد أعلن سنة 2016 من العاصمة السينغالية دكار في خطاب الذكرى الواحدة والأربعين لاعتلائه العرش عن قرار  عودة المغرب الى مكانه الطبيعي بالاتحاد الافريقي بعد قطيعة دامت 32 عاما.

فقد أكد الملك محمد السادس أن "عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، ليست قرارا تكتيكيا، ولم تكن لحسابات ظرفية. وإنما هو قرار منطقي، جاء بعد تفكير عميق", معتبرا أنه حق مشروع, وأن "المغرب راجع إلى مكانه الطبيعي، كيفما كان الحال، ويتوفر على الأغلبية الساحقة لشغل مقعده داخل الأسرة المؤسسية الإفريقية". وأكد في ذات السياق أن "المغرب، الذي لا يتدخل في السياسة الداخلية للدول، ولا ينهج سياسة التفرقة، يأمل أن تتعامل كل الأطراف مع هذا القرار، بكل حكمة ومسؤولية، لتغليب وحدة إفريقيا، ومصلحة شعوبها". معتبرا أن "هذا القرار تتويج لسياستنا الإفريقية، وللعمل الميداني التضامني، الذي يقوم به المغرب، مع العديد من دول القارة، على مستوى النهوض بالتنمية الاقتصادية والبشرية، في سبيل خدمة المواطن الإفريقي".

وعن الهدف من العودة الى المنظمة القارية, قال الملك محمد السادس انها "إضافة إلى التعاون الثنائي ومع المجموعات الإقليمية، سيتيح لبلادنا، الانخراط في استراتيجيات التنمية القطاعية بإفريقيا، والمساهمة الفعالة فيها، وإغنائها بالتجربة التي راكمها المغرب في العديد من المجالات. وعلى مستوى القضايا والإشكالات الكبرى، فإن عودة المغرب إلى أسرته المؤسسية، ستمكنه من إسماع صوت القارة، في المحافل الدولية.وستتيح له مواصلة وتعزيز انخراطه، من أجل إيجاد حلول موضوعية لها تراعي مصالح الشعوب الإفريقية وخصوصياتها".

كما أكد الحرص على "مواصلة المساهمة في توطيد الأمن والاستقرار بمختلف المناطق، التي تعرف التوتر والحروب، والعمل على حل الخلافات بالطرق السلمية", مضيفا أن "هذه العودة، ستمكن المغرب من تقوية انخراطه في الجهود القارية لمحاربة التطرف والإرهاب، الذي يرهن مستقبل إفريقيا", والتزم ب" تقاسم تجربتنا المتميزة، المشهود بها عالميا، مع إخواننا الأفارقة سواء في مجال التعاون الأمني أو على مستوى محاربة التطرف". الى جانب إشكالية الهجرة والتغيرات المناخية.

وحسب الخطاب الملكي فان "عودة المغرب إلى أسرته المؤسسية القارية، لن تغير شيئا من مواقفنا الثابتة، بخصوص مغربية الصحراء", بل انها ستمكن "من الدفاع عن حقوقنا المشروعة، وتصحيح المغالطات، التي يروج لها خصوم وحدتنا الترابية، خاصة داخل المنظمة الإفريقية", وانه "سنعمل على منع مناوراتهم، لإقحامها في قرارات تتنافى مع الأسس، التي تعتمدها الأمم المتحدة، لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل، وتتناقض مع مواقف أغلبية دول القارة".

وأشار الخطاب الملكي أن السياسية المغربية في افريقيا أثبتت نجاحها، و انها "بدأت تعطي ثمارها، سواء على مستوى المواقف السياسية بشأن قضية وحدتنا الترابية، أو من خلال تعزيز الحضور الاقتصادي للمغرب، وتطوير علاقاته مع مختلف دول القارة", مضيفا أن "المغرب اليوم يعد قوة إقليمية وازنة، ويحظى بالتقدير والمصداقية، ليس فقط لدى قادة الدول الإفريقية، وإنما أيضا عند شعوبها".

شكل قرار عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي قطيعة مع خيار الكرسي الفارغ الذي أظهر محدوديته, وقد بدأ يجني ثماره بأن عزز موقفه داخل المنظمة خاصة فيما يتعلق بقضية وحدته الترابية, و حضوره أكثر فاعلية وتأثيرا من داخل مؤسسات الاتحاد الإفريقي , وتجلى ذلك في انتخابه من قبل المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي، عضوا بمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد لولاية من ثلاث سنوات، بعد حصوله  على أزيد من ثلثي الأصوات .

ومكن حضوره في المجلس, من سحبت معظم دول الاتحاد الأفريقي البساط من تحت أقدام جنوب افريقيا التي حاولت استغلال رئاستها للترويكا لاقتحام الاتحاد في النزاع المفتعل في الصحراء المغربية رغم أنه اختصاص حصري لمجلس الأمن الدولي.