في محطات عديدة وطيلة 25 سنة من حكمه, حرص الملك محمد السادس على احترام الخيار الديمقراطي, والذي أكد في خطاب الذكرى 17 لعيد العرش  2016أن «سلاحنا الذي لا يقهر هو الخيار الديمقراطي الذي لا رجعة فيه».

قبل ذلك, ففي يوم الجمعة 08 أكتوبر 1999، كان البرلمان على موعد تاريخي في العهد الجديد، ففيه افتتح جلالة الملك محمد السادس أول دورة برلمانية بعد اعتلائه العرش، وذلك بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 1999 - 2000 بعد رحيل والده المغفور له الملك الحسن الثاني.

وقد حرص جلالته التأكيد على السير في نهج والده وتعزيز المسار الديمقراطي الذي دشنه والده بإشارته أنه «سيرا على نهجه رضوان الله عليه لتثبيت الديمقراطية، وبنفس العناية التي كان يعيرها لهذه المؤسسة الموقرة فإننا نولي بالغ اهتمامنا للمسؤولية التي تتحملون أعباءها بصفتكم ممثلين للمواطنين ترعون مصالحهم وتعبرون عن مطامحهم», وأكد طموحه لتعزيز مكانة البرلمان في الحياة السياسية بقوله «نريد أن نؤكد لكم بدورنا ما نريده لهذه المؤسسة لتقوم بدورها كاملا سواء في الميدان التشريعي أو في مراقبة عمل الحكومة وفق الأدوات المتاحة لها. ذلك أننا نومن إيمانا راسخا أن قوام الديموقراطية هو فصل السلط وتوازنها»، مضيفا أن «التطورات التي عرفتها بلادنا في جميع المجالات ستدفعكم لا محالة إلى تقييم طريقة أعمالكم وإلى ملاءمة الأدوات والنصوص القانونية لتستجيب للتطورات الاجتماعية والاقتصادية».

ونظرا لمركزية المؤسسة التشريعية في النظام السياسي المغربي، أكد جلالته أنه يتطلع «إلى أن تكون الأدوات القانونية قاطرة للعمل الاجتماعي ورافعة اقتصادية عوض أن تتخلف عن ركب التطور الاقتصادي والاجتماعي. ولا شك أن المسؤولية مشتركة بين الحكومة والبرلمان في ما يخص تحيين النصوص وملاءمتها للمستجدات».

كان جلالته واعيا بأهمية نظام الغرفتين في الحياة النيابية المغربية، وقال «بعد سنتين من هذه التجربة البرلمانية الحالية وتأكيدا لما سبق لوالدنا المغفورله أن نبه إليه، فإننا ننتظر من الغرفتين تنقيح نظاميهما الداخليين مع التنسيق بينهما عن طريق تشكيل لجان مختلطة اعتبارا منا أنهما ليسا برلمانين منفصلين ولكن غرفتان لبرلمان واحد ينبغي العمل فيه على عقلنة المناقشات ورفع مستواها وتفادي تكرارها وحسن تدبير الزمن المخصص لها سواء في أعمال اللجان أو الجلسات العامة تطلعا لممارسات أرقى ومنجزات أكثر».

وقبل أن تشهد المملكة "التداول الطبيعي" على السلطة, سبق أن عرفت البلاد تناوبا فريدا سمي حينها ب "بالتناوب التوافقي" الذي قادته حكومة  عبد الرحمان اليوسفي الأولى والثانية بين 1997 و2002, وفرضته حينها الوضعية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد, وكان ضرورة لضمان انتقال سلسل للعرش. وعندما تولى الملك محمد السادس العرش خلفا لوالده الراحل الحسن الثاني, جدد الثقة في عبد الرحمن اليوسفي وزيرا أولا يوم 26 شتنبر 2000. 

وانتهت تجربة التناوب التوافقي بقرار الملك محمد السادس تعيين إدريس جطو وزيرا أول من خارج الأحزاب السياسية في 9 أكتوبر 2002، بعد عدم إفراز انتخابات 2002 لتحالف أغلبي واضح، خصوصا أن دستور 1996 لم يكن يفرض على الملك تعيين الوزير الأول من الحزب الفائز على خلاف ما بات منصوصا عليه في دستور 2011. وفي نفس السياق , شكل  خطاب يوم 9 مارس 2011 محطة فاصلة, فقد أعلن فيه الملك محمد السادس عن تشكيل لجنة للعمل على إعداد دستور جديد, وفي خطابه إلى الأمة، قال جلالته «أخاطبك اليوم، بشأن الشروع في المرحلة الموالية، من مسار الجهوية المتقدمة، بما تنطوي عليه من تطوير لنموذجنا الديمقراطي التنموي المتميز، وما تقتضيه من مراجعة دستورية عميقة، نعتبرها عمادا لما نعتزم إطلاقه من إصلاحات جديدة شاملة، في تجاوب دائم مع كل مكونات الأمة».

أرست الوثيقة الدستورية الحاملة لبصمات مغربية خالصة قواعد جديدة  للمجال السياسي وجسدت اللحمة الوطنية في تصديرها, وضمنت الحقوق والحريات ووضعت هندسة مبتكرة للمؤسسات الدستورية, وحققت بذلك ثورة هادئة كرست نموذجا مغربيا متميزا عن بقية الأنظمة السياسية بالمغرب والمشرق, خاصة أنها أكدت كما ورد في خطاب الذكرى 17 لعيد العرش 2016 أن «سلاحنا الذي لا يقهر هو الخيار الديمقراطي الذي لا رجعة فيه»..

وحتى حين أثير ما سمي ب "البلوكاج" جدلا دستوريا وقانونيا لدى أوساط المهتمين بالقانون الدستوري حول حدود تفسير الفصل 47 من الدستور والتأويلات الممكنة لمضمونه ، خاصة أن المشرع الدستوري لم يحدد بوضوح الخيارات المحتملة في حال فشل رئيس الحكومة المكلف في مهمته أي تشكيل أغلبية حكومية بل ينص فقط  على تكليف شخصية من الحزب المتصدر في الانتخابات البرلمانية بتشكيل الحكومة، دون أن يحدِّد سقفًا زمنيًّا للعملية، أو يحدِّد ماهية الإجراءات التي يجب اتخاذها في حالة فشل الرئيس المكلَّف بتأمين الأغلبية البرلمانية وتشكيل حكومته بناء عليها، وهو الجدل الذي حسمه جلالة الملك محمد السادس بتعيين شخصية ثانية من الحزب المتصدر للانتخابات في تفسير وصف بأنه " تأويل ديمقراطي للدستور".