على امتداد ربع قرن من تولي صلحب الجلالة الملك محمد السادس للعرش تمكن المغرب من تحقيق ومراكمة العديد من النجاحات سواء على صعيد التنمية الوطنية، أو من خلال الشراكات الاقتصادية والسياسية مع شركاء المملكة من مختلف دول المعمور. وهكذا فالملاجظ أن الاتفاقات الاستراتيجية الراسخة، التي تربط المغرب بالولايات المتحدة منذ عقود وبأوروبا، لم تمنع الرباط من عقد شراكات متعددة الأبعاد مع الخصمين اللذودين لواشنطن، والإشارة هنا إلى (روسيا والصين).

ففي الخطاب الذي ألقاه أمام القمة المغربية الخليجية، في 20 أبريل 2016 بالعاصمة السعودية الرياض، عبر جلالة الملك محمد السادس بوضوح على أن زمن اصطفاف المغرب اللامشروط وراء حلفائه التقليديين، قد ولى وانتهى إلى غير رجعة، حيث كان الخطاب قويا ومحملا برسائل واضحة في اتجاهات شتى، خصوصا قوله إن "المغرب حر في قراراته واختياراته، وليس محمية تابعة إلى أي بلد"، "«وأن المغرب رغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه، قد توجه نحو تنويع شراكاته".

وضربت الرباط في الأركان الأربعة للعالم، فبعد الزيارة النوعية للملك محمد السادس، إلى الهند، في نونبر من 2015 التي طغى عليها الجانب الاقتصادي، جاءت روسيا ضمن قائمة الشركاء الجدد للمغرب؛ خصوصًا بعدما وجد الطرفان نفسيهما يواجهان مشروع عزلٍة ُيحاول الاتحاد الأوروبي فرضه في المجال الاقتصادي (خاصة المجال الزراعي والصيد البحري)، وذلك بتوقيع الطرفين أزيد من 15 اتفاقية اقتصادية وتجارية بين البلدين، وأربع اتفاقيات تهم الجانبين العسكري والأمني.

لوعل أقوى مكسٍب عادت به الدبلوماسية المغربية من موسكو بعد "بيان الشراكة الاستراتيجية المعمقة بين روسيا الفيدرالية والمملكة المغربية" قدرتها

على استمالة صناع القرار في "الكرملين" لصالح دعم قضية الوحدة الترابية للمغرب، أو على الأقل ضمان الحياد الإيجابي لروسيا، بدعم حل سياسي متوافق عليه بين الأطراف، برعاية أممية.

بدوره، العملاق الصيني الموجود بقوة في بعض الدول الإفريقية، ظل حاضرا في أجندة الاستراتيجية الجديدة للمغرب التي ترتكز على تعددية قطبية تجاريا واقتصاديا، أما دبلوماسيا فلا يمكن لصناع القرار في الرباط أن ينكروا الموقف الإيجابي لـ "بكين" في جلسة التصويت، بشأن قضية الصحراء في الأمم المتحدة، حين رفضت أية مغامرة من شأنها أن تؤدي إلى زعزعة استقرار المغرب، إلى جانب ذلك، لم تتردد الصين، قبل ذلك، في إبعاد جبهة "البوليساريو" عن حضور أشغال القمة الثانية (إفريقيا/ الصين)، نهاية السنة الماضية في جنوب إفريقيا.

نقطة أخرى من جنوب شرق آسيا، تحسب لصالح دبلوماسية المغرب، فالمؤكد أن "التنين الصيني" لا يرى العالم إلا بنظاراٍت اقتصادية، نظرا لوزنه على المستوى العالمي، غير أن ذلك لا ينفي مكانته كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومفاوضًا شرسا على الساحة الدولية يمكن للمغرب الاعتماد عليه، لمواجهة تحديات التنمية الاقتصادية، وكذا دعمه في الدفاع عن مصالحه الوطنية الاستراتيجية.