هو علم جديد لـ"الأفكار" لا يمكن أن تجده سوى على مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت مرجعا "علميا" بامتياز لذوي العقول الضعيفة وأصحاب نظريات المؤامرة والميتافيزقا السياسية والأرض المسطحة.

الأمر هنا لا يتعلق بأفكار حقيقية كما يوحي بذلك تعريف الأيديولوجيا، ونعتذر هنا كثيرا لأستاذنا المفكر عبد الله العروي صاحب كتاب مفهوم الإيديولوجيا الذي أخذ منه حيزا زمنيا مهما وإلماما واسعا لتفكيك هذا المفهوم ووضعه في سياقه الكوني والعربي قبل إخراجه إلى الوجود.

بالنسبة لعلماء السوشل ميديا لا يأخذ كل ذلك منهم سوى هنيهات كي يصبح إنتاجهم المفاهيمي نبعا متدفقا بصبيب عال من الكلمات والمفردات "العميقة" التي تصيب الهدف في مقتل سبا وشتما ولعنا.

لا يتطلب الأمر هنا أي تعريف أو تحديد أو تفكيك وتركيب ومقارنة وتحليل، فقط تهوي الأصابع على "الكلافيي" كأنها تتخلص من قيء قديم، تقرح في العقل والحلق وكافة الأعضاء، لتكيل أفظع الكلام وأقبح الصفات والنعوت لشخص لا تتفق معه في رأيه أو موقفه إزاء قضية معينة قد تكون تافهة حتى.

من الدين إلى السياسة ومن الفن إلى الرياضة ومن الاقتصاد إلى الثقافة، ومن السوق إلى البيت مرورا بالمسجد والمدرسة والمقهى وكل الشوارع، هناك ثمة من يعارض شخصا وفكرة ما بالسب والشتم واللعن والتشهير والتكفير أحيانا والإخراج من الملة إذا اقتضى الحال.

تطلق هذه "المفاهيم" على عواهنها فتزحف رأسا نحو المعني بالأمر وفي طريقها تجر جيشا من الأتباع يرددون نفس "الخطاب" الذي يتأسس على باطل يعتقد به الجميع ويشيدون له القصور والزوايا والأضرحة.

في العادة أن تسب شخصا فذلك ينم عن مستوى هابط ويكشف سوء الانتماء لفئة تمدرست في الأسواق والحمامات، لكن السوشل ميديا قد تحولك مقابل هذه الفعلة إلى بطل همام تصدح لك الحناجر بشعارات التمجيد وترفع صورك في الحسابات الافتراضية.

أبدا في هذه الفضاءات لا تقارع الفكرة بالفكرة والدليل والحجة، فقط اشحذ لسانك البذيء وارحم عقلك البليد من التفكير، فاللسان الذي لا عقل له أكثر فعالية في مثل هذه المواقف، وبه فقط يمكن أن تحقق النصر المبين وتهدم قناعات خصمك الحزين.

تحت شعار "اقصف ولا تبالي" تتأسس الأساطير الفيسبوكية، التي تهدم كل صرح تأسس على فكرة أو موقف مخالف أو نظرية بمعاول السب، لا يهم لمن توجه الرماح فقط المهم هو الإجماع الافتراضي الذي عندما يقع فإن كل ألوان السب والشتم تكون مشروعة.

هكذا تتأسس الإديولوجيا الجديدة في الذهنية الافتراضية لتصنع من القبح والحقد خطباء وزعماء وقادة!