ودعنا الأسبوع الماضي بمشهد آخر من مشاهد البؤس المتنافرة مع ما يراكمه المغرب على المستوى الحقوقي، والبطلة هذه المرة شابة عشرينية حملتها أقدارها – أو بصفة أدق بعيدة عن استعمال القدر كشماعة- حملها سوء تقدير أسرة أنانية نحو المجهول، على غرار مئات الإناث اللواتي يحرمن من حقهن في التعليم، مع ما يحمله هذا الحرمان من تداعيات تطال الحق في الصحة والحق في الاختيار والعيش الكريم، والعمل الضامن للكرامة، والاستقرار النفسي والمادي.

كنزة وقفت بوجه مشوه وجسم يحمل كدمات وكسورا قديمة لا يمكن الجزم لحد الساعة بالفاعل، بانتظار تدخل القضاء بعد أن تقاذف أكثر من طرف الاتهام، واستغل عشاق البوز والتراند الموقف لتوثيق مشاهد من المفترض أن تمحى من ذاكرة هذه الشابة، بدل الإمعان في تعرية خصوصيتها على الملأ في فصل آخر من فصول الاعتداء النفسي.

ومهما كانت المبررات ومحاولات التنصل مما وقع، فالكل متواطئ في هذه الجريمة المسكوت عنها مجتمعيا، انطلاقا من الأسر التي تواصل رمي بناتها للعمل خلف جدران منازل لا تعرف حقيقة ساكنيها ولا عقدهم النفسية، ما يجعل العاملة / الخادمة متنفسا لتفريغ ضغوط المشغل المسكون بعقلية المالك الذي يمكنه فعل ما يريد ب "مملوكته" في حل من أي متابعة من الأسرة المغلوبة على أمرها.

لا يمكن التعاطف مع الأسر على حساب بناتها تحت عذر الفقر والأمية، لأن هناك ملايين الأسر تحملت مسؤوليتها في ضمان بيئة حافظة لكرامة بناتها على الرغم من ضيق ذات اليد، مقابل أسر اختارت للأسف سياسة صم الأذان رغم كل حملات التوعية والتحسيس بضرورة تمكين بناتها من التعليم والتكوين، لكنها مع ذلك تختار حرمان فتياتها من التعليم باسم الأعراف، قبل أن تضطر بعدها للزج بهن نحوالمجهول طمعا في مورد رزق في بيئة غير آمنة ضدا على كل الأعراف الأسرية المفترض فيها صون كرامة بناتها.

في التعاليق التي رافقت عددا من فيديوهات الشابة الضحية، كانت هناك عشرات الشهادات التي تتحدث عن وجود حالات مماثلة لطفلات يتعرضن للضرب  والكسر والكي وحلق الشعر، والتمييز في الملبس والمأكل والمشرب، ناهيك عن الانتهاكات الجنسية ... كل هذه البشاعة، يشهد الناس على وجودها ويستنكرونها، لكنها باقية ومستمرة، ببساطة لأن "اللي محنوش فيه والديه مغاديش يحنو فيه الناس" خاصة إذا كانوا من حاملي العلل النفسية المركبة.

لذلك تتحمل الأسرة أولا كامل المسؤولية, سواء كانت أسرة المشغل التي تربي أطفالها في بيئة مهزوزة تنتج مرضى نفسيين وقنابل موقوتة تتحين الفرص لتفجير مكبوتاتها كلما صادفت الطرف الأضعف، وكذلك أسرة الضحية التي تنطلق من عقلية الاستثمار في الأبناء بالطريقة الخاطئة بعد  حرمانهم من الدراسة بدل مواكبتهم ودعمهم لمواصلة التعلم واكتساب معارف تسعفهم على فهم أكثر اتزانا للحياة والبحث عن فرص عمل ، إلى جانب مسؤولية  بعض مدبري الشأن العام المتقاعسين في توفير بيئة تسعف على تشجيع تمدرس الفتيات في البيئات الأكثر هشاشة التي تنتج فتيات قابلات للكسر المادي والمعنوي.

 

مصير عاملات المنازل – مع التحفظ على هذا التوصيف حبيس النصوص القانونية والغائب عن ثقافة المشغل- يتقاطع مع مصير الزوجات القاصرات اللواتي يهربن من واقع مر نحو آخر أمر، حيث يتحولن بعقد زواج إلى خادمات بدون مقابل، بصفتهن شريكات طيعات في خدمة الزوج وأسرته، مع إمكانية التعرض لكل أصناف الإهانة والتنكيل وسط مباركة مجتمع يرى في المرأة المنصاعة نموذجا للصبر والتضحية، مقابل الهرب من الفقر وضغط الأسرة التي ترى فيها عبء ثقيلا يجب التخلص منه في أول فرصة.