وأما التهنئة الأولى فهي للمغرب طبعا.
قدر الوطن العظيم هو الالتقاء مع التاريخ في لحظات انعطافاته الكبرى.
كنا نعيش نهاية تسعينيات القرن الماضي، بحكومة تناوب سبقت الربيع العربي بسنين عديدة، وبمناخ سياسي جد راغب في الأفضل، وباقتناع كامل بين الجميع أن غد المغرب ملزم بأن يكون أحسن من حاضره ومن أمسه.
عبرنا ذهول الرحيل المؤلم للعظيم الحسن الثاني طيب الله ثراه، وأغلبيتنا لم تعرف غيره ملكا، وبدأنا صفحة جديدة في كتاب العراقة المغربي الذي لاتنتهي صفحاته أبدا.
قبل 25 سنة من الآن، كنا نبايع الملك على السمع والطاعة، وخدمة المغرب أولا، ثم خدمة المغرب دائما، وبعد مرور كل هاته السنوات، هانحن نحدق مليا وبكل افتخار في أعين بعضنا البعض، نحن الشعب العادي الخالي من كل المواد الحافظة وغير الحافظة لكي نقول لأنفسنا إننا حفظنا العهد، وأنا على الطريق سائرون، وذاك أمر يستحق طبعا صادق التهنئة.
- وأما التهنئة الثانية فللمغرب العظيم مجددا.
ماذا قال لنا الناس في لحظة انتهاء قرن وبدء قرن آخر التي جاء فيها الانتقال ؟
بشرونا بالتلاطم، وأنذروا بالأسوأ، وحددوا لنا الأشهر والأسابيع، ورأينا يومها من يؤمن بالمغرب حقا، ومن الكافر الذي يطير قلبه مع أول هبة ريح.
الشعب يومها كان مقتنعا بما يفعله: حزن بشدة لرحيل ملك عظيم ونادر، ثم فرح بشدة لقدوم ملك توسم فيه كل الخير، ولم يخيب جلالته الظن والتطلعات.
عادي جدا، ففي بلد الصدق هذا، يحس الناس بالأشياء كلها قبل أن تقع، لذلك كانت فراستهم وحدسهم صائبتين، وستظلان كذلك حتى انتهاء كل الأيام.
- والتهنئة الثالثة طبعا ومجددا لبلد العظمة هذا المسمى المغرب، وهو يستعد لامتشاق حسام المستقبل، ودخول تحديات الوقت القادم بنفس الإيمان التام بقدراته ومعرفته الشديدة بها.
مواعد عالمية كثيرة يضربها البلد مع القابل من الأيام، أي مع المستقبل، لأنه مقتنع بفضل النبوغ المغربي الساكن فيه منذ القديم، أن الأهم دوما وأبدًا بالنسبة للأذكياء هو ماسيأتي، مع أن الحاضر مهم، ومع أن التاريخ أو الماضي، أسموه ماشئتم، وكما تشاؤون، هو أساس البنيان الأول، وهو الارتكاز الذي نفاخر به من لاتاريخ لهم، أي من لم يكونوا أبدا.
نعم، الآتي، هذا المستقبل، هو الأهم، وهو الشغل الشاغل لملك البلاد الذي تعني تنمية البلاد والعباد كل شيءٍ لجلالته.
هذا البلد العظيم سيدخل المنعطفات الأخرى القادمة كلها بنفس التصميم على التميز خلال كل واحدة فيها، مثلما فعل منذ القديم، ومثلما يفعل اليوم، ومثلما سيفعل غدا وحتى ختام الختام.
رهان العراقة هذا على حسن العيش الحاضر، وعلى تنمية القادم من الأيام، هو الرهان المغربي الذي يستحق التهنئة الأكبر.
هنا، والآن، ملك وشعب أمضيا خمسة وعشرين سنة، ربع قرن أيها السادة، في خدمة وحب المغرب، وهما معا سيكملان الخدمة الوطنية المواطنة، وشعارهما معا أن هذا البلد الكبير يستحق كل الخير ويستحق كل التضحيات.
باختصار: نهنئ ملكنا وشعبنا وبلدنا وأنفسنا ونواصل السير والمسار والمسيرة والمسير.
ففي المغرب كلمة السر واحدة بين الجميع، يقولها جمهور الكرة في الملعب شعارا حفظه العالم كله في قطر "سير..سير.سير"، ونقوله في كل مجالات عيشنا واشتغالنا وعملنا لأجل تطور بلادنا: لاتوقف أبدا، لاتوقف.
فقط المزيد من السير إلى الأمام من أجل المغرب العظيم.