مع التزامن مع الذكرى 25 لعيد العرش، من المؤكد أن فرنسا خرجت للتو من المنطقة الرمادية فيما يتعلق بموقفها بشأن الوحدة الترابية، إذ بحسب بلاغ للديوان الملكي، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن، في رسالة موجهة إلى الملك محمد السادس، رسميا، أنه " يعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية". موقف جديد ينضاف إلى مواقف كل من أمريكا واسبانيا وألمانيا.

لكن، بعيدا عن خلفيات هذا الموقف الصريح -إن جاز توصيفه- والذي يختلف عن مواقف فرنسا سابقا من حيث الشكل والمضمون، على اعتبار أن الجمهورية الخامسة كانت تدعم المغرب على مستوى مجلس الامن وفقط، مقابل مكاسب وامتيازات استثمارية ضخمة، أما خارجه فكانت ترتدي في مرة قبعة بحسب الفصول والظروف.

جرت العادة في السابق أن يتعامل المغاربة باحتفالية مع المواقف الداعمة للوحدة الترابية – وكان ينظر البعض إليها على أنها مبالغ فيها- ، لكن، يبدو أنه مع اتساع دائرة المناصرين، باتت المملكة لاعبا أساسيا على رقعة الشطرنج- رقعة أدخل المغرب إليها عنوة خلال الاستعمار- وتبعا لذلك، فالمغرب ماض في بعثرة الأوراق على الرقعة الدولية والإقليمية، بل فرض ايقاع جديد ومغاير في تدبير معركته ضد الخصوم.

وكما يقال، تبدو الحقيقة مخيبة للآمال، ومن هنا يمكن تفسير بلاغ الخارجية الجزائرية الذي استبق الإعلان الصريح والرسمي للموقف الفرنسي الذي عادة ما يكون عبر القنوان الرسمية، وهي خطوة تعكس التخبط الدبلوماسي والسياسي الذي بات عنوان مرحلة بالنسبة لحكام الجارة الشرقية- لاسيما وأن مضمون البلاغ غير الدبلوماسي- الذي حذف بعد نشره من موقع الخارجية الجزائرية- هو نسخة طبق الأصل للبلاغ الذي جاء بعد إعلان اسبانيا دعم سيادة المغرب على صحرائه من خلال دعم الحكم الذاتي.

إذ لا تخلو لغة بلاغات الجارة من التهديد والوعيد، لغة تعود إلى العصور البائدة، ظنا من أصحابها أن موارد الشعب الجزائري(الغاز، البترول) صارت مستباحة لشراء المواقف تارة أو توظيفها كورقة للضغط تارة أخرى.

لكن، وبلغة أقرب إلى الواقع وبعيدا عن منطق الانتشاء المباحة في بعض الاحيان، كيف يمكن استثمار توالي الاعترافات وهذا الزخم الدولي؟ وما هي القيمة المضافة التي يشكلها الموقف الفرنسي؟ أسئلة وتساؤلات من الصعب الإجابة عنها بطريقة حسابية/رياضية، لان واقع وتدبير العلاقات الدولية والسياسة الخارجية للدول معقدة ومتشابكة ومتغيرة وهي محكومة بالمصلحة أولا وأخيرا.

وبالنظر إلى المؤشرات الراهنة، وقياسا على الموقفين الاسباني والفرنسي، واعتماد على النظرية الجديدة في حقل العلاقات الدولية، وهي نظرية " التأثير المتبادل" التي من خلالهما استطاع المغرب تليين مواقفها واستمالتهما، يمكن الإشارة إلى ثلاث سيناريوهات محتملة في ظل التحولات الراهنة:

- يرتبط هذا السيناريو بتداعيات الموقف الفرنسي على الفضاء الأوربي، إذ جاء في رسالة ماكرون أن بلاده "تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي". وهي رسالة واضحة على أن الرباط لم تنتزع الموقف الفرنسي بالمفهوم العلائقي/الثنائي، بل انتزعت كذلك التزام فرنسي بتنزيل الموقف وتوسيعه ليشمل مؤسسات الاتحاد.

بحيث يشكل الموقف الفرنسي بالإضافة للموقفين الاسباني والألماني دعامة أساسية لتشكيل موقف موحد للنظام الإقليمي الأوربي يتعرف بسيادة المغرب على الصحراء، وما يستتبع ذلك، من إبعاد أو على الأقل تحييد مؤسسات الاتحاد الأوربي (البرلمان الأوربي، المحكمة الاوربية..) من النزاع، إذ شكل الفضاء الأوربي- وما يتيحه من إمكانات- منصة متقدمة وظفها ويوظفها خصوم المغرب لإنهاكه وتشكيك في اطروحته.

- أما السيناريو الثاني، فعلى مستوى مجلس الامن، فانضمام فرنسا إلى جانب أمريكا باعتبارهما عضوين دائمين داخل مجلس الامن، يشكل تحولا جوهريا على مستوى أهم أجهزة الأمم المتحدة، الامر الذي يقوي ويحصن الموقف المغربي من داخل هذا الجهاز المكلف بحفظ الامن والسلم الدوليين، ناهيك عن مجموعة أصدقاء الصحراء داخل مجلس الامن التي تسهر على تدبير والتنسيق حول النزاع(تضم فرنسا واسبانيا وأمريكا وروسيا). كل هذه المؤشرات تصب في إتجاه تبني واعتماد الطرح المغرب وإصدار قرارات من الممكن أن تساعد على الطي النهائي للنزاع أو على الأقل إعادة صياغة وتعريف النزاع بعيدا عن المقولات والمفردات المتداولة وذلك في حالة إستمالة الموقفين الروسي والبريطاني. بالنسبة لروسيا، فالمغرب يراهن على الشراكات والتعاون الثنائي، ويمكن استثمار التقارب الاماراتي-الروسي في جنوب الساحل وليبيا، أما بريطانيا، فعادة مواقفها وسياساتها لا تخرج عن السياسات الامريكية.

أما السيناريو الثالث، فهو اعتماد المغرب على هذه المواقف والمراهنة على توسيعها مع مرور الوقت، مع الاخذ بعين الاعتبار، الصراع الذي يخاض على الرقعة الافريقية، إذ يمكن توظيف هذا الدعم الغربي والاسناد الدولي لمحاولة إخراج " البوليساريو" من منظمة الاتحاد الافريقي، وتجريد قيادات البوليساريو من الصفات – الألقاب الدبلوماسية- التي عادة ما تتيح لهم التحرك بأريحية في الفضاء الأوربي أو باقي المناطق.

وأخيرا، فالملفت في الرسالة الفرنسية التي بمقتضاها خرجت فرنسا من " المنطقة الرمادية" هي الفقرة التي جاء فيها " ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة"، إذ يشكل الربط بين الصحراء والامن القومي المغربي أحد المفتاح الجديدة التي يمكن الاعتماد عليها للتفاوض ولإقناع الدول بأحقية وصوابية الطرح المغربي سيما وأن الصحراء تعتبر جوهر ومحور عقيدته الدبلوماسية.

 

* أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري

كلية الحقوق أبا شعيب الدكالي / الجديدة