خلال ترأسه لمراسيم حفل أداء القسم لفوج الضباط المتخرجين من مختلف المدارس والمعاهد العسكرية وشبه العسكرية لسنة 2024، اختار الملك محمد السادس إطلاق اسم والدته صاحبة السمو الملكي الأميرة للا لطيفة، رحمها الله، على هذا الفوج وذلك «تقديرا للأم المغربية، ولدورها في تربية الأجيال على مكارم الأخلاق، وعلى قيمنا الروحية والوطنية الأصيلة.« كما جاء على لسان جلالته.

وقبل أن تكون هذه المناسبة الحزينة محطة لتجديد موقف الملك الدائم و المؤكد على أهمية دور المرأة المغربية في بناء مغرب التقدم والكرامة، جنبا لجنب مع الرجل، كانت هناك لحظات فرح سابقة، حين اختار الملك استقبال أمهات أسود الأطلس بعد أدائهم المتميز في نهائيات كأس العالم بقطر 2022، في مشهد متحرر من كل القيود البروتوكولية، حيث اختار جلالته توسط الأمهات في لحظة عرفان وامتنان لدورهن المحوري في تنشئة لاعبين مشحونين بإحساس الواجب ورد الجميل للأم والوطن من جهة، ومن جهة أخرى نجاحهن في نقل قيم وأخلاق الوطن الأم بالنسبة للاعبين الذين ولدوا أو ترعرعوا خارج المغرب.

التفاتة الملك مناسبة للتذكير على الأهمية الكبرى للتنشئة الأولى داخل الأسرة التي تتحمل الأم / المرأة عبئها الأوفر إذا لم نقل الكامل، ما يتخذ مستقبلا تمظهرات عديدة في سلوك الابن، إما من باب العرفان أو مواصلة الطريق في اتجاه يرسخ بقاء قيم معينة في وجه تيارات وافدة قادمة بقوة من خلف شاشات الهواتف والحواسيب، في عالم لم يعد يؤمن بالتعدد وإن سوق لرفع شعاراته الرنانة، لتكون النتيجة بطلا رياضيا، أو مخترعا، أو رجل أعمال، أو سياسيا أو مثقفا أو عالم دين ... مشبع بقيم بلده ووطنيته التي تشكل لبنة قوية لاستمرار تماسك المجتمع في ظل موجات التفكك والتفرقة التي تغزو العالم.

إلا أن السقف الذي يرسمه الجالس على العرش لتمكين المرأة من حقوقها بكل أدوارها، بما فيها دور الأم التي تنتظر أن تنتزع مكاسب جديدة في ظل المدونة المنتظرة،  يبقى سباقا  ومتقدما بأشواط على الأداء المتواضع لمن يفترض فيهم تنزيل الرؤى الملكية على أرض الواقع، والذين لم يستوعبوا بما فيها الكافية قول جلالته بأن الأمر لا يتعلق بامتيازات مجانية، لأن المرأة لا يمكن أن تحرم من حقوقها في مغرب اليوم، كما جاء في خطاب الذكرى 23 لاعتلاء جلالته العرش.

وقد نبه جلالته إلى الالتباس في التعامل مع تنزيل حقوق المرأة، حتى بين صفوف من يعتقد أنهم قادرين على الغوص في روح النصوص القانونية، حين أشار أن فئة من الموظفين ورجال العدالة يعتقدون أن المدونة خاصة بالنساء، والواقع أنها مدونة للأسرة كلها ... لذلك يبقى الاجتهاد في إنصاف المرأة الأم ،خطوة متقدمة لإنصاف كل الأسرة بما فيها الزوج والطفل، لكون الأمهات المصدر الأول لتمرير القيم وأبجديات التوازن النفسي والعاطفي الذي يدفع المجتمع ثمنه عند أول اختلال.

والحديث عن حقوق المرأة المهضومة سواء كانت زوجة أو أما، لا يجب أن يضع دائما الزوج في خانة الاتهام، لأن هناك مسؤولين ذكورا وإناثا يرسخون أجواء هضم حقوق أمهات المملكة، كما هو الحال في المناطق التي يشكل فيها الحصول على الماء معاناة يومية دفعت أمهات فجيج لفتح نضال مفتوح، و أخريات يحملن أرواحهن على أكفهن في رحلة يومية على متن سيارات الموت المتوجهة للضيعات، ليتركن خلفهن أيتاما يحملون غصة رحيل أم لم تكترث الجهات المسؤولة لدعواتهن المبحوحة من أجل ضمان وسائل نقل تراعي إنسانيتهن، وأخريات  في قطاعات مختلفة قاسمها المشترك أنها تحرم أمهات المملكة الحاليات والمستقبليات من حقهن في الصحة والعمل والتعليم.