بعد عطلة الصيف, يحل الدخول الاجتماعي في ظل رهانات كبرى حددتها التوجيهات الملكية السامية في الخطب الأخيرة وفي مناسبات شتى. ذلك ما يستدعي ضخ نفس سياسي جديد على  العمل الحكومي وتسريع وتيرة اشتغال العديد من المؤسسات الدستورية خاصة البرلمان بغرفتيه لتحقيق المزيد من الفعالية والنجاعة في الأداء والانجاز.

الحكومة التي تواصل تنفيد برنامجها وأيضا تنزيل عدد من الأوراش الملكية ومنها على الخصوص ورش الحماية الاجتماعية, مطالبة بتجاوز نواقص الفترة الاولى لولايتها والتسريع باجرأة المشروع الملكي خاصة مع اعداد ميزانية السنة المقبلة بأولوياتها الأربع المتمثلة في مواصلة تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية، وتوطيد دينامية الاستثمار وخلق فرص الشغل، ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية، والحفاظ على استدامة المالية العمومية.

ملفات أخرى تفرض هذا النفس الجديد, هو ايجاد الحلول العاجلة لاستمرار نذرة المياه وجفاف السدود لتفادي أزمة العطش، وأيضا مواجهة غلاء أسعار المواد الأساسية بالأسواق, وأيضا ايجاد الحلول لرفع تحديات مناخ الاعمال لانعاش الاستثمارات وخلق فرص الشغل, وذلك لامتصاص البطالة المرتفعة وانقاد آلاف الشركات من الافلاس.

فمع حلول العد العكسي لانتهاء الولاية الحكومية الحالية, ظهر أن مكونات الأغلبية الحكومية تواجه تحدي توزيع الرأسمال الرمزي للحصيلة الحكومية بين مكوناتها, والذي يعد ركيزة أساسية لاعداد برنامج انتخابي سيطرح على المواطنات والمواطنين أملا في اعادة الثقة فيها خلال الاستحقاقات المقبلة وبالتالي الحفاط على تصدرها للمشهد الانتخابي من جديد.

لكن التنافس الخفي بين مكونات الأغلبية الحكومية على المستوى المحلي والجهوي, يشير الى احتدام التنافس فيما بينها والى تراجع الانسجام مقارنة مع بدايات الولاية الحكومية حيث  فرض الرضوخ لتوجيهات هيئة رئاسة الأغلبية, وهو ما يجعل من امكانية تطعيم الحكومة الحالية بشخصيات من خارج الأحزاب السياسية أو من أحزاب أخرى امكانية غير مستبعدة بل وسيناريو محتمل, خاصة الاعداد للانتخابات المقبلة يستدعي كثيرا من التوافق لتخفيف حدة الصراع بين مكونات المشهد الحزبي لاستعادة الثقة في السياسية ورفع نسبة المشاركة فيها.

لذلك فان نجاعة العمل الحكومي في الفترة المقبلة يستدعي اعادة النظر في التشكيلة الحكومية الحالية بتطعيمها بكفاءات قادرة على ايجاد حلول للملفات العالقة, وأيضا انجاز المشاريع التي سيتم إطلاقها في قطاعات السكك الحديدية، والطيران، والطاقة والماء، والسياحة، والفلاحة، والنقل الحضري، وذلك في إطار استعدادات المملكة لاحتضان التظاهرات الكروية الكبيرة وفي مقدمتها كأس العالم 2030, خاصة أنه يراهن عليها لتعزيز دينامية نمو الاقتصاد الوطني خلال السنوات القادمة وخلق المزيد من فرص الشغل. المؤسسة التشريعية بدورها مطالبة بأن تكون في الموعد , وذلك بالقيام بالأدوار المنوطة بها خاصة على مستوى التشريع, بالتسريع باقرار قانون مالي جديد, واعتماد مشروع القانون التنظيمي للمالية الذي تهعتزم الحكومة طرحه عليها, الى جانب قانون الاستثمار .

وعلى المستوى الرقابي, فان البرلمان بغرفتيه مطالب بتطبيق مدونة الأخلاقيات التي أقرهتها المحكمة الدستورية, والتعبئة لمواكبة خارطة الطريق الاستراتيجية 2023 ـ 2026  الخاصة بتطوير مناخ الأعمال، والتي تراهن عليها من أجل تجويد منظومة الصفقات العمومية، والتمويل التعاوني، وتقليص آجال الأداء، والإحداث الإلكتروني للمقاولات، وتبسيط أزيد من 45 في المائة من المساطر الإدارية المرتبطة بالاستثمار ورقمنتها، وتفعيل الإصلاح الضريبي الذي يضمن وضع نظام جبائي مستقر وشفاف.

في هذا السياق, فان المعارضة البرلمانية مطالبة بدورها بالمزيد من التنسيق فيما بين مكوناتها وتجاوز الحسابات الضيقة بين قادتها خدمة للمصلحة العليا للوطن, خاصة أن الدستور اعتبرها "مكونا أساسيا في المجلسين" ومنحها حقوقا وضمن لها المشاركة في وظيفتي التشريع والمراقبة", رغم اكراهات حسابات الأقلية والأغلبية التي تفرضها موازين القوى داخل المؤسسة التشريعية.

الأكيذ أن السنوات المقبلة مصيرية في مسار المملكة في ظل التحديات المطروحة لتحقيق السيادة الغدائية والطاقية وتحقيق التنمية المستدامة ومواجهة الاجهاد المائي وانجاح ورش الحماية الاجتماعية, وأيضا مواجهة الخصوم والمتربصين بالوحدة الترابية  للمغرب. ذلك يتطلب التسلح بثقافة جديدة لدى النخبة السياسية والأحزاب, وقد يكون ضخ النفس الجديد في الحكومة والمزيد من تخليق الحياة السياسية السبيل لانجاج الرهان.