أمام مساندة قوية من التحالف الحكومي، ينتظر أن يكون عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، قد حصل على الضوء الأخضر في سحب البساط من تحت أقدام الجمعيات المدنية التي تنشط في حماية المال العام، والتي دأبت على تقديم شكايات للنيابة العامة في شأن اختلاسات وسوء تدبير يطال المال العام الموضوع تحت تصرف المنتخبين.

وبسط مشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي سيحصل على أولى تأشيراته التشريعية بالمجلس الحكومي الذي عقد يوم الخميس، بعد العطلة التي حصل عليها فريق عزيز أخنوش، ما يشبه «الإعدام» في شأن أهم نشاط تقوم به هذه الجمعيات، وهي صلاحية تقديم شكايات للنيابة العام في شأن التدبير السيئ للمال العام.

وهبي استغل فرصة إعداد مشروع قانون المسطرة الجنائية لتنفيذ وعيده بمنع جمعيات حماية المال العام من وضع الشكايات ضد المنتخبين والشخصيات في قضايا اختلاس المال العام.

ونص مشروع قانون المسطرة الجنائية على أنه «لا يمكن إجراء الأبحاث، وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية، أو المفتشية العامة للإدارة الترابية، أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أو كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك».

وخول نص المشروع للنيابة العامة المختصة إجراء الأبحاث أو إقامة الدعوى العمومية تلقائيا في الجرائم الماسة بالمال العام إذا تعلق الأمر بحالة التلبس.

وضيق المشروع المذكور الخناق على هذه العينة من المجتمع المدني، ما يجعل نشاطها في المستقبل القادم مقتصرا على التنبيهات والملاحظات دون صلاحية طريق باب القضاء.

ويبدو أن وزير العدل عبد اللطيف وهبي قد سار في تحقيق وعد سابق له بسحب هذه الصلاحيات من جمعيات المجتمع المدني، بعدما سبق أن صرح أمام البرلمانيين داخل المؤسسة التشريعية، سواء في الجلسات العامة أو في جلسات لجنة العدل والتشريع بمجلسي البرلمان، برفضه القاطع أن تواصل جمعيات حماية المال العام، وضع شكايات أمام النيابة العامة ضد منتخبين وشخصيات في قضايا اختلاس المال العام.

ولم يكن وهبي يخفي تضايقه من الاستعمالات السيئة لهذا المقتضى، بتوظيفه في حسابات سياسية أو ابتزاز منتخبين عن طريقه، وهو ما طالبت عدد من الجمعيات وهبي بتوضيحه دون أن تتمكن من الحصول على جواب في هذا الصدد.

وتعتبر جمعيات حماية المال العام، عن حق، أن تحركاتها أمام القضاء، وطرقها لباب النيابة العامة، في شأن اختلاسات للمال العام من منتخبين محليين قد ساهمت في فتح تحقيقات توصلت فيها لصدقية ما تضمنته الشكايات.

وزارة العدل توضح أنها لم تصادر حقا من الحقوق الأصيلة للمجتمع المدني، لكنها في المقابل تعتبر أن من يجب أن يحمي المال العام من الشطط هو مصدر المال العام، أي السلطات المختصة ومؤسسات الحكامة المضمنة في الدستور، وهي بالأساس هيئة محاربة الرشوة والنزاهة.

وأكدت مضامين المسطرة الجنائية في مشروعها الذي بدأ مسطرته التشريعية أن تحركات النيابة العامة تكون تلقائية أو بناء على تقارير وإحالات من المجلس الأعلى للحسابات أو المفتشية العامة للمالية أو تلك التابعة للداخلية.