يغني أسد الأغنية المغربية، الحاج عبد الهادي بلخياط، أطال الله عمره، رائعته "يابنت الناس" التي كتبها عظيم زمانه ودارجته علي الحداني ولحنها الكبير عبد القادر وهبي، ويقول فيها "التواضع، التواضع يابنت الناس"، ويغني المغاربة من طنجة إلى الكويرة في وجه حكومتنا أغنية "التواصل، التواصل يابنت الناس".

الحكومة لاتسمع اللحن ولا الكلمات، ولا حتى هذا الأداء الجماعي الحزين.

وحتى عندما تسمع حكومتنا لاتفهم، وحتى عندما تفهم تمثل دور من لم يستوعب الأمور بالكامل.

وفي حكاية التواصل هذه بالتحديد، هناك بعض الكلام لابد من قوله، وهناك دلو، هو دلونا اليوم، لامفر من الإدلاء به بين بقية الدلاء، طالما أن الكل أدلى بدلوه، حتى اختلطت "السطولا"، علينا وكثر صوت "التقرقيب".

التواصل علم، مهنة، حرفة، عمل قائم بذاته، تخصص تدرسه لسنوات، وعندما تتخرج على يد أساتذة فيه أكبر وأفضل منك، تشتغل بتلك الشهادة في هذا التخصص.

تماما مثل الصحافة، هي أيضا مهنة، وليست هواية، عكس ماتقوله كل المظاهر والظواهر السائدة في البلد اليوم. وهي في الأماكن الأخرى من العالم الفسيح لاتتطلب فقط هاتفا ذكيا أو غبيا، ولايفات من الإسهال المستمر في "اليوتوب"، أو ميكروفونا مستباحا تأكل به رزق الناس في الأسواق، وأنت تمشي بينهم.

لا، التواصل مهنة، والصحافة مهنة، ولدينا نحن هنا في المغرب شك حقيقي في الأمرين معا. لذلك يمارس الكل التواصل بشكل غير صحيح إلى أن نقع في فخ انعدام التواصل، ويمارس الكل على الصحافة كل أنواع الممارسات السادومازوشية، إلى أن أصبح نصف المغرب ينادي نصف المغرب الآخر بلقب "الزميل"، ومع ذلك "كلشي فرحان".

هذا هو الوضع، وهذا هو التشخيص، وهما معا مضحكان مبكيان باعثان فقط على الألم الكثير، فما الحل؟

الاقتناع فقط بالبديهيات، وبأن الميدانين معا لهما أهل تخصص بالفعل وحدهم يحق لهم ممارسة العمل فيهما. نقطة، إلى السطر.

لذلك، ونحن نلوم الحكومة على فشلها الذريع في عملية التواصل حول الكارثة التي وقعت مؤخرا في الفنيدق، وهي كارثة أساءت لنا واحدا واحدا وواحدة واحدة، نلوم أيضا منتحلي الصفات الذين تسللوا إلى ميداننا، واستغلوا غياب إرادة جدية حقيقية لتقنينه، وتخليصه من النصابين والأدعياء، مثلما يقع في بقية المهن الأخرى، المحترمة فعلا، على ماقاموا به من نشر للأكاذيب والفبركات والفيديوهات والصور الزائفة.

هما معا وجهان لعملة الفشل في الميدان: حكومة لاتتقن فن التواصل، وتتلقى في مجاله يوميا الضربات تلو الضربات، ومنتحلو صفة وجدوا ميدانا يتيما، بلا أم ولا أب ولا عائلة، فامتهنوا كل حقوقه، بل وبلغت بهم الوقاحة وقلة الحياء، حدود إعطاء الدروس فيه لمن هم أبناؤه الحقيقيون، القاعدون اليوم على هامش الهامش، وعلى قارعة كل مايتم تدبيره متفرجين يتساءلون "متى سيتوقف هذا العبث حقا؟ ومتى سيفهم من ينبغي أن يفهموا، ومن دورهم هو الفهم، أن اللعب في هذا المجال خطير للغاية؟"

تطرح المهنة الحقيقية، في التواصل وفي الصحافة، السؤال، لأن من أدوارها الاستفسار، وإن كان مزعجا، وتنتظر الجواب عاجلا، لأنها تقول في قرارة نفسها بأنه من الضروري أن يوجد معنا وبيننا عقلاء، يرون سير الأمور، ويقتنعون تماما مثل المهنة وأبنائها الأصليين بأن الرهان على انتحال الصفة هذا في المجالين معا: التواصل والصحافة، هو رهان سيؤدي بنا جميعا إلى مالاتحمد عقباه.

لنواصل الجلوس إذن على قارعة الطريق، وافتراش هذا "الطروطوار" غير المريح، في انتظار توصلنا بالإجابة…