هناك جو موتور في الجزء الافتراضي من البلد، لايمكن للعين ألا تراه، ولايمكن لبقية الحواس ألا تلتقي به. 

تدخل إلى الأنترنيت، تحس أن نصف البلد سيواجه نصف البلد الآخر في موقعة داحس والغبراء الأربعاء المقبل ضمن منافسات عصبة الأبطال في رياضة "من سيزايد على الآخر أكثر؟". 

تخرج من الافتراضي، وتدخل الواقع فعلا، أي تنزل إلى الأسواق وتمشي بين الناس، تجد الأمر أقل حدة بكثير، وأكثر اقترابا من طبيعة المغربية والمغربي الفعلية: طبيعة العيش الحقيقي، لا تمثيل دور العيش مثلما يقع في "النيت". 

تسأل نفسك عن سبب هذا التوتر وعن المتورطين في ارتكابه، تجد الجواب البديهي بسهولة: أهل الافتراضي أنفسهم، وطريقة تصريف الخلاف هناك. 

حاولوا أن تأخذوا أي مثال تريدون، من هؤلاء الذين تشاهدون في "الأنترنيت" المغربي، وهم يصنعون أو يحاولون صناعة، الرأي العام المغربي، أي مثال أقول، وفي أي مجال أحببتم: من الترفيه أو محاولات الترفيه، حتى نقاش الكرة والرياضة، مرورا طبعا بالسياسة، أو الاعتداء عليها في المواقع والصفحات، وعبورا على النقاشات المجتمعية كلها، وانتهاء بالثقافة وإن كانت هذه الأخيرة، مسكينة، غير ذات اهتمام كبير لدى الأهل في الافتراضي من الأشياء اأسباب لاتخفى على حصيف. 

ستجدون الملاحظة ذاتها تتكرر: الجو مشحون، النقاش موتور، الكلام حاد، والعبارات عصبية، و "المعيور"، و "المعاطية"، هما الخيط الناظم الموحد بين جموع المتكلمين والمتكلمات هناك. 

قوموا بهذا التمرين البسيط، وستتأكدون. لن تجدوا إلا القليل النادر جدا من الذين يتحدثون بهدوء، وبتعقل، ويحاولون الدفاع عن آرائهم، أو عن الأشياء التي هي في حكم آرائهم دون توتير الجو، ودون زرع العصبية والرعونة فيه. 

لماذا؟ 

هنا السؤال كبير جدا، ووحدهم أساتذتنا في مجالات التخصصات النفسية والسلوكية قادرون على الحسم في إجاباته، لكننا نستطيع من باب الملاحظة الفضولية اليومية الزعم، أن الانتقال الرقمي لم يتم في العقل المغربي بالسلاسة والسهولة المفترضين. 

وقع الأمر فجأة، ودون سابق إعداد أو تهييء، ووجد الكل نفسه أمام فرصة أن يتحدث إلى الكل، في كل شيء، وعن اللاشيء في الوقت ذاته، فابتدأت الحكاية، وتأكيدا لن تنتهي، أو على الأقل ستنتهي لكن بعد كثير الأضرار. 

في المشهد الافتراضي المغربي اليوم، "قادة رأي"، في كل المجالات (السياسة، المجتمع، الرياضة، الترفيه، الاقتصاد، السوشال ميديا…)، يربون جيلا بأكمله، وجد الآباء والأمهات منشغلين برتق ثقوب اليومي الكثيرة، ووجد صحافة حقيقية وقد ترهلت وشاخت وفقدت القدرة على التحكم في مفاصلها والأطراف، ووجد أحزابا ظلت قياداتها تحافظ على مناصبها حتى فقدت كل الأعضاء، وصارت مبتورة من كل اتجاه، ووجد مدرسة هي في البين-بين، فلاهي عمومية تقوم بالدور العام المشترك الذي هو دورها، ولا هي خصوصية تقدم فعلا الخدمة اللائقة بالسعر الغالي الذي تكلفه. 

هذا الجيل المغربي الصاعد اليوم يربيه في الافتراضي هؤلاء الموتورون والموتورات الذين تشاهدون "لايفاتهم"، وأنتم تتأرجحون بين الرغبة الجامحة في البكاء، وبين هستيريا الضحك العصبية التي تقول كل شيء. 

هذا الجيل الافتراضي، الهارب منا، و "الهارب بزاف علينا"، والهارب من الواقع لأنه لم يستطع مواجهته، والهارب من نفسه ومن كثير الأشياء، حد الاقتناع بالهروب من البلد ككل، يجد اليوم نفسه دون تربية، أو فقط معرضا لتربية هؤلاء الذين لم تكتمل تربيتهم أصلا، دون تعميم ظالم. 

هذا الجيل قليل الحظ فعلا، وهؤلاء الموتورون سبدفعونه، بسبب كمية التوتر والحقد التي تسكن كل المسام منهم، إلى الأسوأ إذا لم يتدارك العقلاء الهادئون في البلد الأمر. 

هل هذه القراءة خاطئة؟ 

نطرح السؤال بكل هدوء الكون، زاعمين أننا لازلنا نستطيع هذا الهدوء وسط هذا الجو الأحمق والموتور، المحزن والحزين فعلا. 

ننتظر منكم الإجابة، إن كانت، أو محاولتها على الأقل…