"بلعيد بويميد! 

غائب! "

عادة دائما هو حاضر، لكن أستاذ الحياة، سيسجل هذه المرة في دفتر الغياب إسمه غائبا، ولن يأتي التلميذ النجيب في فصولها بولي الأمر لتبرير عدم الحضور، ولا بشهادة من الطبيب تشفع له التواري وتقول إنه مريض، وسيعود. 

الشهادة الوحيدة التي سيحملها معه بلعيد هذه المرة هي شهادة الوفاة والرحيل، وترك المشهد الصحافي المغربي يتيما، مجددا، ومرة أخرى، بسبب تساقط أوراقه الرئيسية المؤسسة، الواحدة بعد الأخرى. 

دفتر الغياب الكبير هذا أمر قاس علينا. يجب أن نقولها وأن نعترف بها، لأننا، ونحن ندخل المجال أول مرة، وجدنا أناسا اعتبرناهم غير قابلين للذهاب أبدا. 

سذاجة النظرة الأولى والانبهار المرتبط بها، ثم قوة ماكنا نطالعه لهؤلاء الناس وعنهم، أعطانا هذا الإحساس وحده فقط: هم باقون مابقيت الحرفة. 

لكنهم الآن يرحلون، تباعا، والواحد بعد الآخر. 

تراهم يؤكدون لنا فقط القاعدة؟؟ باقون مابقيت الحرفة، فهل لازالت هناك حرفة فعلا؟ 

لا أدري، والمقام هنا ليس مقام جدال، بل مقام حزن شديد على رجل نادر، وأستاذ صحافي بارز، وإنسان آدمي بكل مافي الكلمة من معنى فقدناه، ولااعتراض طبعا على المشيئة الربانية، بل القبول والترحم والبحث عن الصبر والسلوى في كل ماصنعه الفقيد الكبير في مساره الطويل.

السي بلعيد قال لنا طيلة المسار الغني: نعم يمكن أن تكون صحافيا رياضيا حقيقيا قادرا على التقاط نبضالملاعب بجماهيرها، وأن تكون فنان كاريكاتير قادرا على التقاط نبض السخرية والمبالغة فيها في كلمايوجع من أجل إصلاح حال الناس، وأن تكون فنانا ذا ذوق راق تستمتع بالموسيقى والتمثيل وكل أنواعالإبداع، وأن تكون مجادلا بالكلمات في البرامج الحوارية تبهر من يجلسون معك حول طاولة النقاش، وأنتكون إنسانا مؤدبا قادرا على المشي برفق فوق الاختلافات التي يزل فيها الآخرون ويفجرون حينالخصومة. 

نعم يمكن أن تكون كل ذلك والمزيد حين يكون إسمك سي بلعيد بويميد، وحين تكون قادرا - رغم كل الصعوبات - على الحفاظ لهذا الإسم الكبير على ألقه، ولمعانه، واحترامه في زمن قل فيه الاحترام. 

عرفني بالراحل بلعيد بويميد أول مرة أخي الأكبر سي محمد بوعبيد رحمه الله، وكان ذلك على ما أذكر حين مناقشة زميلنا محمد سقيم لشهادة الدكتوراه منذ سنوات كثيرة خلت في كلية طريق الجديدة. 

قال لنا الراحل يومها وهو يتحدث عن "جيلهم وجيلنا" في الصحافة، وعن الفوارق الضرورية بين الزمنين: (حنا درنا النضال وشوية ديال الصحافة، ونتوما كتديرو الصحافة وشوية ديال النضال، من بعد ماغادي يبقا لانضال لاصحافة)، قبل أن يضيف رحمه الله "والأخطر هو أن اللي باغيين يديرو دابا هاد المهنة مابقاوش كيقراو". 

لعله رحمه الله قال كل شيء والمزيد. 

رحم الله اللامع المتفرد سي بلعيد بويميد.