فقد الكثير من مساندي إيران في عالمنا العربي هدوءهم الكاذب، منذ السبت الفارط الذي تم الإعلان فيه عن اغتيال إسرائيل لحسن نصر الله، وقالوا كلاما كثيرا - من العيب أن يقال - في حق العديدين من الذين يختلفون عنهم في قراءة الوضع وتطوراته هناك في الشرق الأوسط البعيد عنا جغرافيا، القريب منا في بقية الأشياء.

لم يشتم هؤلاء نتنياهو الذي أمر بالضربة القاتلة لنصر الله، ولم يسبوا إسرائيل التي قالت إنها نفذت أهم اغتيال في تاريخها في حق من تعتبره أهم عدو لها، ولم ينتقدوا حتى أمريكا بايدن التي قالت إن "نصر الله دفع حياته جزاء كل من تسبب في قتلهم في السابق".

لا، شتم الشاتمون إخوانهم هنا في العالم العربي، الذين ذكروهم - على سبيل "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" - بما قالوه يوم وقع ماوقع، حين حذروا من أن بوابة جهنم فتحت على فلسطين ولبنان، وأن القادم سيكون أسوأ، وأن موتا كثيرا ومؤلما ومرعبا سيمس المدنيين وغير المدنيين في هاته الحرب المجنونة التي لن تنتهي أبدا بالسلاح، بل ستنتهي فقط بالسلام والمفاوضات، وهذا اليوم أو غدا أو بعد آلاف السنين.

هذا الشتم الداخلي عادي، وهذا السب للنفس مفهوم، ففي عالمنا العربي ربى الإعلام الشعبوي الكاذب الجماهير بالعاطفة على الشعارات الزائفة، وباعها تجار الوهم الأطنان منه، إلى حد أن الكائن المكتفي بالكلام يتصور نفسه يخوض الحروب وينتصر فيها، وهو في قلب صالون منزله، يأكل الفشار، ويتابع التلفزيون.

لذلك تكون لحظات الاستيقاظ من الوهم قاسية، حين تظهر لك الحقيقة التي قالها لك من لايرغبون في الكذب عليك، بل يريدون فقط النجاة معك من الوهم وتبعاته ومختلف الأمراض القاتلة المرتبطة به، ثم بقية الأعراض.

لذلك لا لوم على من لم يشتموا إسرائيل، وشتموا مواطنيهم وإخوانهم وأبناء بلدهم بعد مقتل عنصر إيران الأول في لبنان، حسن نصر الله.

لا لوم إطلاقا.

الشيء الوحيد الذي يجب أن نزداد اقتناعا به ونحن نتابع كل تطورات ذلك الشرق المجنون والحزين، هو الاقتناع بمغربيتنا أكثر وأكثر، والاقتناع بشعارنا "المغرب أولا والمغرب دائما"، أكثر وأكثر، والاقتناع، وإقناع من لديهم عقل من بيننا بأن المقاومة الحقيقية هي مقاومة الجهل والتجهيل، لأنك لايمكن أن تنتصر في أي معركة من معارك الحياة، صغيرة كانت أم كبيرة، بالاعتماد على الجهل والكذب وبيع الوهم لصغار العقول، والاقتناع أيضا بأن الإسناد الحقيقي هو إسناد أبناء وطننا المغرب لكي لايقعوا في شراك النصابين والأدعياء وباعة الوهم وخدام الأجندات الأجنبية، واللاعبين على كل الحبال، والمعادين لوطنهم الأم الذي أعطاهم كل شيء، ولم يعطوه إلا الساقط من القول والفعل.

منذ السبت، بل منذ ليلة الجمعة، ازددت اقتناعا فقط، وأنا أتابع كل هذا الذي تابعته هناك في الشرق البعيد، وهنا قربنا وبيننا، أن المغرب هو الحل، وأن المنبهرين بمعارك الغير الذين يعيشون فيها عن بعد سيموتون فيها يوميا آلاف المرات، ولن يملكوا كل مرة من حل لمواجهة هذا الموت الغبي غير شتم القريبين منهم الذين يشبهونهم، لأنهم - حين التيه - لايدركون مايفعلون.

لنواصل الفرجة عليهم، ولنواصل رفع الأيدي بالدعاء أن يجد العقل السليم يوما الطريق إليهم، فحمقهم في نهاية المطاف، أمر في غير صالحهم، وفي غير صالحنا معهم…على كل حال.