أنهت الصرامة المغربية في التعاطي مع قضية الصحراء المغربية زمن المواقف المتذبذبة لبعض الدول، وحلت محلها الواقعية في تفاعلها مع المحددات الجديدة التي عبر عنها جلالة الملك، بوضع المغرب لمعيار أوحد في تعاطيه مع الدول، والمرتكزة على أن المملكة تنظر من الآن فصاعدا بمنظار الموقف الواضح من القضية المقدسة للشعب المغربي.

وبدا أن العديد من الدول التقطت بسرعة المحددات الملكية، وبدأت في تغيير مواقفها تباعا، لتتحول دول القارة الأوروبية، والتي كانت بعض عواصمها تتعاطف مع شعارات تقرير المصير التي يرفعها النظام العسكري في الجزائر، لتبرير دفاعه عن الانفصاليين، نحو تغيير مواقفها والانخراط في سياق المبادرة المغربية.

وتبين أن الاختراق المغربي لعدد من العواصم الأوروبية نجح في تفكيك أواصر الدعم الذي كانت بعض الدول تبديه للأطروحة الانفصالية، وهو النجاح الذي مكن دولا استعمارية قديمة، مرتبطة بملف الصحراء مباشرة، لتغير موقفها تماما، مثل إسبانيا وفرنسا، وتحقيق اختراق مماثل في دول تتماهى عادة مع مثل هذه «الشعارات الحقوقية»، من قبيل الدول الاسكندنافية، والتي بدأت تراجع مواقفها بشكل واضح.

وبانضمام الدانمارك لقائمة الدول الداعمة للموقف المغربي، ارتفع عدد الدول الأروبية التي أعلنت عن تبنيها لمغربية الصحراء إلى 19 بلدا، بينما تقف باقي الدول الثمانية موقف الحياد، ما يؤشر لتحول أوروبي نحو الانحياز للموقف المغربي، خاصة وأن الثقل الوحيد الذي كانت تلعب فيه الديبلوماسية الجزائرية كان يوجد بالدول الاسكندنافية، قبل تحول أهم عضوين فيها نحو الموقف المغربي.

وكانت الدانمارك آخر الملتحقين بقائمة الدول الداعمة لمغربية الصحراء، حيث أكدت الأسبوع الماضي أنها تعتبر مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 مساهمة جادة وموثوقة في المسار الأممي الجاري وأساسا جيدا من أجل حل متوافق عليه بين جميع الأطراف.

وجدد البلدان في بيان مشترك، تم اعتماده عقب محادثات أجراها، بنيويورك، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، مع وزير الشؤون الخارجية الدنماركي لارس لوكي راسموسن، على هامش الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، دعمهما للمسلسل الذي تقوده الأمم المتحدة والمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة من أجل الصحراء المغربية استافان دي ميستورا، وكذا للجهود من أجل التوصل إلى حل سلمي مقبول من جميع الأطراف لهذا النزاع، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وقبل الدانمارك، كانت دولة إخرى من الدول الإسكندنافية تعبر عن موقف مماثل، حيث عبرت فنلندا عن دعمها مؤخرا للمخطط المغربي للحكم الذاتي، والذي اعتبرته «أساسا جيدا» لحل لنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، من خلال بيان مشترك صادر بهلسنكي، عقب اللقاء الذي جمع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين في الخارج، ناصر بوريطة، ووزيرة الشؤون الخارجية الفنلندية، إلينا فالطونين.

وقال البيان إن «فنلندا تعتبر مخطط الحكم الذاتي المقدم سنة 2007 مساهمة جادة وذات مصداقية في المسلسل السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة، وأساسا جيدا لتسوية متوافق بشأنها من قبل الأطراف»، مجددا التأكيد على دعم فنلندا لـ«المسلسل السياسي الرامي إلى التوصل إلى حل سياسي عادل، ودائم، ومقبول من الأطراف».

كما عبر الوزيران، في هذا البيان، عن موقفهما المشترك بشأن الدور الحصري للأمم المتحدة في المسلسل السياسي، مجددين التأكيد على دعمهما قرارات مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة، وتأييد بلديهما جهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة الرامية إلى الدفع قدما بهذا المسلسل.

ومن خلال مواقف كل من فنلندا والدانمارك، يمكن اعتبار المنطقة الإسكندنافية آخر معقل كانت ديبلوماسية الجزائر تتحرك داخله، لتسقط هذه المواقف آخر أوراق الكابرانات، بعد أن فقدوا أوراق إسبانيا وفرنسا، الحليفين الرئيسين لهما في أوروبا، ما يعني أن الفضاء الأوروبي أصبح يدير ظهره للأطروحة الانفصالية، وداعميها في قصر المرادية.

ويندرج الموقف الجديد لفنلندا والدانمارك في إطار دينامية الدعم الدولي لسيادة المغرب على صحرائه ولمخطط الحكم الذاتي، تحت السيادة المغربية، الذي تؤيده العديد من البلدان، تحت قيادة الملك محمد السادس في السنوات الأخيرة، ما يكشف عن مجهود كبير يتم القيام به، من أجل كسب المزيد من الفضاءات الداعمة لأحقية المغرب في صحرائه.

لكن إصدار بيانات مشتركة لا يجب أن يخفي العمل الجدي الذي يتم القيام به، وفي حالة الدانمارك، فقبل صدور البيان المشترك على هامش اجتماعات الدورة الأممية، كان لقاء نيابيا قد جمع مؤخرا برلمانيين مغاربة ودانماركيين، في سياق سعي البلدين لتعزيز مستوى التعاون القائم بينهما والارتقاء به لمستوى أعلى، وهو ما صرح به أعضاء الوفد الدانماركي، ما يوضح نجاح المملكة في اختراق وسط وشرق أوروبا، بعد نجاح اختراق جنوبها.

ومع هذا الاختراق، يمكن اعتبار تحديد زيارة ماكرون للمغرب نقطة نهاية للمشروع الانفصالي في القارة العجوز، ذلك أن فرنسا الدولة الاستعمارية السابقة كانت تحدد بشكل كبير مسار السياسة الأوروبية في ما يرتبط بملف شمال إفريقيا، وتكون خطوتها بالاعتراف بمغربية الصحراء نهاية أحلام الكابرانات للمراهنة على دعم أوروبي كانت تحقق فيه بعض النقاط، لكن يبدو أنها قد سقطت بالضربة القاضية.