نعود للحديث عن «اليوتوب»، وأهله، وإن كان لا يمسنا نحن من لظاهم إلا ساقط القول والكلام، فيما الناجحون من بينهم ماديا، يراكمون الممتلكات، وينفخون الأرصدة البنكية على حساب صغار العقول الذين يتابعون يوميا «إنجازاتهم»، والمقترفات. 

مؤخرا، شاهدت فيديو من «لايفات هاد الشي ديال اليوتوب»، لصحافي مغربي قديم، يتسول في «اللايف» المال الضروري لكي يشتري، حسب زعمه، «كاميرا لائقة لكي يصور بها الفيديوهات المقبلة». 

هذا الصحافي، في زمن آخر قبل الزمن، كانت لديه جريدة في المغرب مخصصة بأكملها، من الصفحة الأولى حتى الصفحة الأخيرة للتشهير. 

في تلك السنوات، ونحن نتحدث عن بداية الألفين، لم تكن هذه الكلمة متداولة لدى الشعب الصحفي المغربي، لذلك لم يكن أحد يصف ما يقترفه أخونا «متسول الكاميرات»، بهذا الوصف. 

كانت الناس تقرأ ما يفعله في «جريدته»، وتقول «لا حول وصافي»، وتمر إلى الأهم. 

والأهم في نظري، غير المتواضع مثلما يقول أحد رؤساء حكوماتنا السابقين، هو أن الناس كانت تقرأ. 

نعم، كان هناك الصالح والطالح في عناويننا الصحفية المختلفة، لكن الناس كانت تقرأ. 

كان الكل يتأبط، ليس الشر مثلما يقع اليوم، ولكن جريدة، أو مجلة، أو رواية، أو ديوانا، أو قصة قصيرة، أو طويلة، أو «مربوعة القد»، المهم شيئا ما يصلح للمطالعة، للتلاوة، للقراءة، لتوسيع هوامش العقل والفؤاد وكل الحواس الراقية. 

لذلك كان النقاش مغايرا تماما. 

اليوم، لم تعد الناس تقرأ، ولذلك ازدهرت الطحالب في «اليوتوب» وغير اليوتوب، وأصبح النقاش على ما هو عليه حاليا: وصلات يومية مخجلة من السب والشتم والردح ونقار الحمامات، مع أن الإنسان يخرج من الحمام نقيا بعد سماع النقار فيه، أما مع هؤلاء فتسمع النقار وتزداد اتساخا، وكفى. 

نعم، نقول الطحالب ونعني ما نقول، وعادة هي كائنات تعيش في المياه الضحلة المتسخة، وإذا ما حدث وقام أحد بتنظيف تلك المياه، تموت تلك الطحالب وتنقرض. 

لذلك يرفض الكثيرون، عن سبق إصرار وترصد، ويجهل عالم و«عارف آش كيدير»، أي محاولة لتنظيف المشهد الصحافي المغربي. 

هم يريدونه هكذا، لكي يستمروا في العيش داخل بركه المتسخة، لأنهم يعلمون علم اليقين أنه لو تخلص من أوساخه والأدران، فسيذهبون معها إلى البالوعات ومجاري الصرف الصحي، أعز الله قدر الجميع. 

ولذلك يفعلون المستحيل لكي يستمر الخلط الجاهل قائما، ولكي يقول القارئ عن بعد (حتى القراءة في زمننا هذا أصبحت تمارس عن بعد!!!) عنا جميعا، ودون أي تمييز: صحافة المرقة، وصحافة الارتزاق، وصحافة «بيع الماتش»، ويقتنع حد الإيمان بأن «ولاد عبد الواحد... كلهم واحد». 

الأنترنيت المغربي اليوم هو مرآة كانت تحتاجها صحافتنا، ومعها مجتمعنا، لكي نرى وجهنا الحقيقي دون رتوشات خادعة وزائفة. 

نعم، هذه هي الحقيقة، وكل مرة رأيتم فيها «لايفا» من «اللايفات» أثار تقززكم، أو وجها كالحا يتحدث بلغة كالحة عن مواضيع لا يفهم فيها شيئا، ومع ذلك يتحدث، قولوا فقط: إنه وجهنا الجماعي الحقيقي في المرآة، وليس وجه هذا لوحده، أو وجه الأخرى لوحدها. 

نعم، هو وجهنا الجماعي بندوبه التي صنعناها بجهلنا وتشجيعنا على الجهل. وعادة يقال إن «الوجه المشروك ما كيتغسلش»، لكننا نتمنى، من باب حسن الظن في المستقبل، أن نجد طريقة ما، ومواد تنظيف كثيرة، للقيام بعملية الغسل الضرورية هاته. 

في الانتظار، ساعدونا بشيء واحد فقط: لا تفعلوا لنا جرسا، ولا ترسلوا لنا «لايكات وجيمات» كثيرة، ولا «تكبسوا» لنا تكبيسا، واتركوا لديكم أسودكم وأرانبكم وبقية الهبات...

فقط عودوا إلى فعل القراءة، قراءة كل شيء وأي شيء، فهو الفعل المنظف الأول والأخير حقا. 

فقط طبقوا أول آية في قرآننا الكريم «إقرأ» وستقضون على تجارة الأميين والأنصاف والأدعياء وعديمي المواهب.

فضلا وليس أمرا... أيتها السيدات وأيها السادة، فضلا، وليس أمرا.