لم يكتب لقرار محكمة العدل الأوروبية أن يحقق مبتغاه، بعد أن سارعت العديد من الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي للإعلان عن رفضهم لمضمونه، والتأكيد على تمسكهم بالعلاقة المتميزة لهم مع المغرب، قبل أن يسارع البرلمان الأوروبي لتأكيد الموقف ذاته، ورفضه مناقشة القرار، في ما وصف بالصفعة في وجه داعمي الكيان الانفصالي داخل البرلمان الأوروبي.

ما بين نهاية أسبوع وبداية أسبوع، كانت الأمور تتوضح.. البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، وهو يلتئم في أشغال جلسته العامة أول أمس الإثنين، وقف في وجه داعمي الانفصاليين، ورفض مقترحا قدمته مجموعة اليسار، حاول إدراج مناقشة حول أحكام محكمة العدل الأوروبية، في محاولة لتسليط الضوء على القرار الذي ولد ميتا، وتبين أن تداعياته لم تؤثر على المغرب، بل كان تأثيرها على بعض دول هذا التيار السياسوي داخل البرلمان الأروبي.

المقترح، الذي تقدم به اليسار الذي لا تزال تحكمه إيديولوجيات سياسوية، حاول إدراج مناقشة أحكام محكمة العدل الأوروبية المتعلقة بالاتفاقيتين المبرمتين بين المغرب والاتحاد الأوروبي حول الصيد والفلاحة في جدول أعمال جلسة برلمان الاتحاد الأوروبي، رغبة منه في خلق بعض الضجيج حول قرار محكمة العدل الأوروبية، بعد أن تبين أنه لم يحقق المبتغى منه، وفق الواقفين وراءه، وأن تداعياته ضد المغرب لا تذكر.

ولأن قرار المحكمة المذكور لم يعزل المغرب، كما رغب داعموه، كان هذا التحرك داخل البرلمان الأوروبي، لكن العقلاء وقفوا ضده، لعلمهم بدوافع أصحابه، وتأثيره السلبي على دول الاتحاد، ليتبين أن هذه العزلة التي سعى لها الواقفون وراءه قد تحولت لعزلة للمحكمة ذاتها، التي فقدت مصداقيتها داخل البرلمان الأوروبي، حين عمد أعضاؤها فيما يشبه الرفض لقراراتها، رفض مناقشة قرارها حتى، وإعلان الفيتو في وجهه.

وكما كانت نبرة المغرب هادئة في الرد على قرار محكمة العدل الأروبية، وإعلانه أنه غير معني به، وأنه لم يشارك في أي مرحلة من مراحل هذه المسطرة، كان أعضاء البرلمان الأوروبي، بقرارهم هذا رفض مناقشة قرار المحكمة، يعلنون بشكل غير مباشر، أنهم غير معنيين به، ولا يستحق أن تتاح له الفرصة للبحث ضمن جدول أعمال أشغال الجلسة العامة للبرلمان.

وبهذا القرار، يكون الاتحاد الأوروبي قد أعاد النصاب لطبيعة العلاقة التي يؤمن بها أعضاء هذه المجموعة، وتأكيدها على ما أسماه التصريح المشترك لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والممثل السامي للاتحاد والأوروبي جوزيب بوريل بـ«القيمة الكبرى» التي يوليها الاتحاد الأوروبي لشراكته الاستراتيجية مع المغرب، التي تبقى واسعة وعميقة منذ أمد بعيد، مبرزين أن الطرفين نسجا، على مر السنين «صداقة عميقة وتعاونا متينا ومتعدد الأشكال، نتطلع إلى الارتقاء به إلى مستوى أعلى في الأسابيع والأشهر المقبلة».

كما انتصر أعضاء البرلمان الأوروبي لمضموه ذات التصريح، الذي سارع مصدروه للإعلان عنه، لحظات بعد قرار المحكمة المعيب، حين أكد أن «التكتل ملتزم بالحفاظ أكثر على علاقاته الوثيقة مع المغرب وتعزيزها في كافة المجالات انسجاما مع مبدأ العقد شريعة المتعاقدين»، فيما يشبه تجاهلا تاما لمضمون القرار، ليعلنوا هم كذلك تجاهلهم لتحركات مجموعة اليسار، التي توجد على هامش الدفاع عن مصالح دول الاتحاد الأوروبي الحقيقية.

ويتقاطع موقف أعضاء الاتحاد الأوروبي مع مواقف أغلب دول الاتحاد، التي سارعت وبصوت واحد للتأكيد على رفضها للقرار، وتشبثها بالشراكة الاستراتيجية مع المغرب، حيث كانت تصريحات مسؤوليها أعلى نبرة، مباشرة بعد بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، التي أكدت أن المملكة المغربية تعتبر نفسها غير معنية بتاتا بقرار محكمة العدل الأوروبية، بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري، مبرزة أن المملكة لم تشارك في أي مرحلة من مراحل هذه المسطرة.

كما أكدت وزارة الخارجية أن القرار المذكور تشوبه «العديد من العيوب القانونية الواضحة وأخطاء في الوقائع محل شبهات»، وهو ما يؤشر في أحسن الأحوال على «جهل تام بحقائق الملف، إن لم يكن انحيازا سياسيا صارخا»، وهو ما عابته الوزارة على المحكمة، حين صرحت أنها «سمحت لنفسها بتجاوز الهيئات الأممية المختصة ومعارضة مواقفها ومقارباتها الثابتة. من جهة أخرى، كانت المحكمة العليا البريطانية قد أبانت بخصوص حالة مشابهة تماما عن قدر أكبر من التبصر والحياد والإلمام القانوني».

بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، كان كذلك صارما من خلال التأكيد على أن المغرب «يجدد التأكيد على موقفه الثابت إزاء عدم الالتزام بأي اتفاق أو وثيقة قانونية لا تحترم وحدته الترابية والوطنية»، ما يعني بلغة صريحة رفضه الابتزاز والإصرار على تبني سياسته المعلنة لعدم التعاطي مع الدول والمنظمات إلا من خلال ثوابته المعلنة.

وبسبب حجم التناقض الذي وضعت فيه المحكمة نفسها، طالب المغرب المجلس والمفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي باتخاذ التدابير اللازمة من أجل احترام التزاماتها الدولية والحفاظ على مكتسبات الشراكة وتمكين المملكة من الضمان القانوني الذي يحق لها التمتع به بكيفية شرعية، وذلك بصفتها شريكا للاتحاد الأوروبي بشأن العديد من الرهانات الاستراتيجية، وهو ما استجابت له المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد، من خلال البيانات الصادرة، ليؤكده أعضاء البرلمان الأوروبي، بقرارهم هذا الرافض للخوض في مضمون القرار في أشعال جلستهم العامة.

يذكر أن قرار محكمة العدل حول اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري، المسيس في خلفياته، والذي حمل الكثير من العيوب، حمل أيضا الكثير من التأكيد على تشبث دول الاتحاد الأوروبي بعلاقاتها مع المملكة، حيث سارعت لإصدار بيانات تتبرأ من خلالها من تبعات هذا القرار، وتعلن عدم التزامها بتبعات القرار، كما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والممثل السامي للاتحاد والأوروبي جوزيب بوريل في تصريح مشترك إن «التكتل ملتزم بالحفاظ أكثر على علاقاته الوثيقة مع المغرب وتعزيزها في كافة المجالات انسجاما مع مبدأ العقد شريعة المتعاقدين».

وأكد المسؤولان أن بروكسيل «أخذت علما» بقرارات محكمة العدل الأوروبية حول الطعون ضد قرار المحكمة بتاريخ 29 شتنبر 2021 وكذا الجواب على طلب القرار الأولي المتعلق بملصقات سلع الفواكه والخضروات الواردة من الأقاليم الجنوبية للمملكة، مضيفين أن اللجنة الأوروبية «تقوم حاليا بتحليل القرارات بالتفصيل»، وأنه في «هذا السياق، نأخذ علما بأن محكمة العدل الأوروبية تقر بصحة الاتفاق على المنتجات الزراعية لفترة إضافية من 12 شهرا».

وبهذا الموقف يتأكد أن البراغماتية هي من يطبع سياسة دول الاتحاد الأوروبي، وكذا أعضاء البرلمان الأوروبي، وأن لغة المصالح تسمو على مفردات سياسة تيار اليسار، الغارق في إيديولوجيته المتآكلة، خاصة في ظل الموقف الصارم للمغرب، الذي أعلن ويعلن باستمرار أن المملكة لا تقبل ولن تقبل سوى بالتعامل القائم على الندية والعمل وفق الاعتراف بسيادته على كل أراضيه، وهي الرسالة التي تلقفها الاتحاد الأروبي، وكذا أغلبية الدول الأعضاء في هذا التكتل، الذين سارعوا لتأكيد تشبثهم بالشراكة الاستراتيجية مع المملكة، ودعوا إلى تعزيزها أكثر.