فيما يشبه الرسائل المغربية المعبرة عن موقف المملكة من عدد من القضايا، استغل وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، الندوة الصحفية التي جمعته، أول أمس الثلاثاء، مع رئيس جزر الكناري، لتقديم عدد من التوضيحات بخصوص ثلاث قضايا رئيسية.

رسائل المغرب الثلاث، التي تناولها بوريطة، كانت واضحة وغير ملتبسة، وشكلت منطلقات لموقف المملكة من قضايا آنية كثر حولها التأويل، وكان ضروريا أن تصدر حولها توضيحات رسمية، بعيدا عن الخطابات السياسوية التي تصدر هنا وهناك، وتكشف عن مواقف المملكة المنسجمة مع السياسة التي رسمها جلالة الملك منذ البداية، وعلى نهجها تصدر المواقف الرسمية للمملكة.

خطاب بوريطة شكل بيان إعلان مواقف، يوضح سياسة المملكة من ثلاث قضايا، تخص أولها موقف المغرب من قرار محكمة العدل الأوروبية، والذي اعتبر أنه منفصل عن الواقع، ويهم الثاني، موقف المملكة من ملف الهجرة الذي يؤرق بال أوروبا، حيث أكد فيه بوريطة أن المملكة ترفض أن تتلقى الدروس من أحد، فيما كانت الرسالة الثالثة تهم موقف المملكة من النزاع في الشرق الأوسط، والذي أكد فيه بوريطة أن المغرب يطالب مؤسسة الأمم المتحدة بالاضطلاع بمسؤوليتها كاملة.

محكمة العدل الأوروبية.. قرار «منفصل عن الواقع»

في رسالته الأولى، عاد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، للحديث عن قرار محكمة العدل لأوروبية المتعلق باتفاقيتي الصيد البحري والفلاحة بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي، حيث وصفه بأنه «منفصل عن الواقع»، ويبقى دون تأثير على قضية الصحراء المغربية، وعلى «ديناميتها».

وفي سياق متصل بالموقف المعلن عنه من قبل وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، نهاية الأسبوع المنصرم، عاد بوريطة للتأكيد على أن هذا القرار الذي اعتبره «سعيا دون جدوى»، لم يكن له أي رد فعل من قبل الأمم المتحدة أو الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، ولن يؤثر، بأي شكل من الأشكال، على الملف بفضل الدينامية التي يضفيها عليه جلالة الملك محمد السادس.

وفيما يشبه التأكيد على عدم أهميته على أرض الواقع، أكد بوريطة عدم وجود أي تأثير له على مستوى العلاقات بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي، حيث قال إنه ظل «معزولا»، مستحضرا الإعلان المشترك الصادر عن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والممثل السامي للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، فضلا عن المواقف المعبر عنها من قبل العديد من البلدان الأوروبية التي أكدت تشبثها بالشراكة مع المغرب.

وفي هذا السياق، أبرز بوريطة الانتكاسة الجديدة التي تعرض لها داعمو الانفصاليين بالبرلمان الأوروبي بعد رفض محاولاتهم إدراج نقاش حول قرارات محكمة العدل الأوروبية المتعلقة باتفاقيتي المغرب والاتحاد الأوروبي حول الصيد البحري والفلاحة ضمن جدول الأعمال، فيا يشبه ممارسة نوع من الفيتو على هذا القرار الفاقد لتأثيره على أرض الواقع.

وكما سبق أن أعلنت المملكة، من أن هذا القرار لا يعنيها، عاد بوريطة ليؤكد أن المغرب لن ينخرط بتاتا في أي اتفاق لا يحترم وحدته الوطنية والترابية، وبالتالي فإن المملكة تعتبر أنه على الطرف الأوروبي إيجاد الحلول وتوفير الأمن القانوني الذي يحق للمغرب توقعه كشريك، علما بأن «الثوابت والخطوط الحمراء التي تضعها المملكة واضحة وغير قابلة للتفاوض»، مسجلا في هذا الشأن أن هاتين الاتفاقيتين الدوليتين تم التوقيع عليهما بعد التفاوض بشأنهما من طرف المفوضية الأوروبية، ووقع عليهما المجلس الأوروبي وصادق عليهما البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء.

وفي رسالة مباشرة للانفصاليين ومن يقف وراءهم، قال بوريطة بشكل واضح إن قرار المحكمة في ما يخص تأثيره على قضية الصحراء «ليس له أي تأثير»، كونه لا يمس، بأي حال من الأحوال، بالدينامية الدولية الداعمة لقضية الصحراء التي يقودها جلالة الملك، كما أن هذا القرار لا تأثير له، بالنظر إلى أن هذا الملف يدخل ضمن الاختصاص الحصري للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها.

كما وجه بوريطة رسالة للقضاة الذين أصدروا القرار المعيب، حين اعتبر أن قرارهم ينم عن «جهل بالحقائق القانونية، والسياسية، والتاريخية والإنسانية»، قبل أن يكشف أن القضاة الذين أصدروا القرار يوم 4 أكتوبر، مهمتهم انتهت يومين بعد ذلك، مشيرا إلى أن ستة قضاة غادروا مناصبهم بشكل نهائي على رأسهم رئيس المحكمة، معتبرا أن كل هذه الأمور تطرح أكثر من علامة استفهام، في رسالة لمن يهمه الأمر داخل الاتحاد الأوروبي.

ومباشرة بعد تأكيد بوريطة على هذه الحقائق، أكد فيرناندو كلافيخو أن الحكومة الإقليمية لجزر الكناري تتبنى بشكل كامل الإعلان المشترك الصادر عن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والممثل السامي للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، اللذين جددا التأكيد على التزام الاتحاد الأوروبي بالحفاظ على العلاقات الوثيقة مع المغرب وتعزيزها بشكل أكبر في كافة المجالات، وكذا تصريحات رئيس الدبلوماسية الإسبانية خوصي مانويل ألباريس، الذي أكد على تشبث إسبانيا بالشراكة الاستراتيجية مع المغرب، وعزمها على «الحفاظ عليها والنهوض بها»، كما أكد على الانخراط التام لحكومة الكناري في موقف الحكومة الإسبانية المعبر عنه في الإعلان المشترك للسابع من أبريل 2022، عقب اللقاء الذي جمع بين جلالة الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز.

سياسة الهجرة.. المملكة لا تتلقى الدروس من أحد

في رسالة ثانية، قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أن سياسة الهجرة كما حدد معالمها جلالة الملك محمد السادس، تقوم على المسؤولية المشتركة، ومحاربة الأحكام الجاهزة والتعبئة ضد شبكات الاتجار في البشر.

وأوضح بوريطة بهذا الشأن أن مواقف المملكة المغربية في تدبيرها لملف الهجرة واضحة ومنسجمة مع تصورها المعلن منذ البداية، منتقدا في هذا الآن بعض الأصوات التي تحاول تحميل المملكة تبعات ارتفاع عمليات الهجرة السرية التي تسجل في بعض الفترات، وقال بلجهة حادة إن المملكة «ليست في حاجة إلى دروس لتتلقاها، وتتحمل مسؤوليتها كاملة في مجال محاربة الهجرة غير النظامية».

وانطلاقا من هذه القناعة، أوضح بوريطة، أن المغرب يتصدى بقوة لظاهرة الهجرة، مسجلا أن ذلك يتطلب مقاربة متعددة الأبعاد تشمل مجموع العناصر المشجعة على انتشار هذه الظاهرة، حيث أوضح أن قضية الهجرة هي «مسؤولية مشتركة بين دول المصدر والعبور ودول الإقامة».

وفي معرض تطرقه للحضور القوي لظاهرة الهجرة في وسائل الإعلام، وجه بوريطة رسالة لمن يحاول أن يزايد على المملكة في هذا الملف، حيث قال إن هذه الظاهرة تحتل حيزا مهما ضمن الأجندة السياسية الداخلية في عدد من البلدان الأوروبية، التي حولتها إلى «أصل تجاري شعبوي» من خلال خطاب يثير المخاوف. 
 وبعيدا عن هذه المزايدات السياسوية، كشف بوريطة أن المغرب، وفي إطار سياسة الهجرة التي أعلن عنها جلالة الملك سنة 2013، سمح لـ60 ألف مهاجر بالاستقرار في المملكة، انسجاما مع قناعة المملكة، وإيمانها بالعلاقات الطبيعية مع محيطها الإفريقي.

ولم يفوت بوريطة هذه المناسبة، حيث وجه كذلك رسائل لبعض التصريحات التي تنتقد ما تسميه عدم تعاون المغرب، حيث أكد استعداد المغرب لإرجاع أي مهاجر غير شرعي شريطة أن يكون مغربيا وانطلق من التراب المغربي، قبل أن يتساءل حول ما إذا كان الطرف الآخر قادرا على أن يقوم بالمثل.

وفي سياق مسؤولية المملكة القائمة على الوضوح والعقلانية، نوه بوريطة بالتعاون المغربي-الإسباني في مجال الهجرة، واصفا إياه بالنموذجي على مستوى ضفتي حوض البحر الأبيض المتوسط، مجددا التأكيد على أن هناك مسؤولية مشتركة بين المغرب وإسبانيا ورغبتهما في إيجاد حلول جذرية لهذه الظاهرة، من خلال قطع الطريق على شبكات الاتجار بالبشر، وتعزيز التشريعات التي تنظم مسألة الهجرة.

وقد تلقى المسؤول الإسباني هذه التصريحات بحفاوة، حيث أكد شكره وامتنانه للمملكة المغربية لجهودها المتواصلة من أجل محاربة الهجرة غير النظامية، وقال «نحن واعون تماما بالضغط والمحيط الجيو-سياسي في منطقة الساحل. المغرب يساهم في الاستقرار والسلام ومحاربة جميع شبكات الاتجار بالبشر».

وأبرز أن حكومة إقليم جزر الكناري عازمة على تعزيز روابط التعاون الثنائي، موضحا أن الوضوح والجدية والوفاء تشكل أسس علاقات التعاون بين جزر الكناري والمغرب.

الشرق الأوسط.. آن للأمم المتحدة القيام بمسؤوليتها

في رسالته الثالثة، قال ناصر بوريطة فيما يشبه تأكيد موقف المملكة من الأحداث الجارية بالشرق الأوسط، إن «موقف المغرب واضح جدا، وقد حدده جلالة الملك محمد السادس في عدة مناسبات»، قبل أن يعرج للتذكير بأن المملكة، التي تتبنى مواقف ثابتة كما حددها جلالة الملك، رئيس لجنة القدس، تدعو إلى الخروج من منطق تدبير الأزمة نحو منطق إرساء معايير من أجل حل دائم.

وردا على بعض المواقف المتطرفة الصادرة من بعض الأصوات، أكد بوريطة أن المغرب يؤيد حل الدولتين، مع دولة فلسطينية على حدود يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، قبل أن يؤكد أنه «لا يجب السماح للمتطرفين من كلا الجانبين بالتحكم في أجندة الشرق الأوسط، وقد حان الوقت لكي يستعيد الفاعلون البناؤون زمام المبادرة حتى لا تقع المنطقة رهينة للمتطرفين من جميع الجهات».

وانسجاما مع مواقف المملكة الثابتة، اعتبر بوريطة أن الاعتداءات التي تطال المدنيين أمر مرفوض ومدان، محذرا من خطر توسيع دائرة النزاع بلبنان، لأن ذلك ينطوي على مخاطر وعدم استقرار بالنسبة للمنطقة بأسرها، مشددا على الطابع الأساسي لحماية المدنيين وفقا للأخلاق وللقانون الدولي ولتعاليم الأديان.

وفي هذا السياق، وجه بوريطة رسالة المغرب في هذا الشأن، والقائمة على ضرورة أن تقوم مؤسسة الأمم المتحدة بدورها، محذرا من البقاء في موقع المتفرج، حيث قال إنه حان الأوان «للتعبئة ولتضطلع الأمم المتحدة بمسؤولياتها كليا لوقف الهجمات ضد الشعب الفلسطيني»، مجددا التأكيد على أن المغرب يدين الاعتداءات على المدارس والمستشفيات وآلاف النساء والأطفال الذين يتم استهدافهم من قبل الهجمات الإسرائيلية، دون إغفال منع ولوج المساعدات الإنسانية والسياسة الرامية «لى «تجويع» الفلسطينيين على أراضيهم.

واعتبر بوريطة أن هذه الممارسات التي تمارسها حكومة إسرائيل مدانة من قبل المغرب الذي يترأس عاهله جلالة الملك محمد السادس لجنة القدس، والذي ظل على الدوام يحذر من خطورة هذه السياسة على مستقبل المنطقة.

ومواصلة لتحديد كل مؤاخذات المملكة على ما يسجله النزاع في الشرق الأوسط من انزلاقات، عبر بوريطة عن موقف صارم للمملكة، حين أدان التصريحات غير اللائقة والتهجم على الأمين العام للأمم المتحدة وقادة الدول الأجنبية، في إشارة لمنع حكومة إسرائيل زيارة الأمين العام للأمم المتحدة للمنطقة، واعتبرته شخصا غير مرغوب فيه.

وشدد المسؤول المغربي على أن المملكة تندد بهذا التهجم الذي يستهدف النوايا الحسنة التي لا تصبو سوى إلى إيجاد حلول، واعتبر أن «هذا التهجم لا يساهم في نزع فتيل التصعيد أو البحث عن حلول سريعة لهذا النزاع».

وأوضح بوريطة بهذا الشأن أن المبادرات يمكن مناقشتها وقبولها أو رفضها في إطار احترام الوضع الذي يتمتع به رؤساء الدول، حيث عبر صراحة عن موقف المغرب في هذا الشأن، وقال بشكل واضح إن «جميع الإرادات الحسنة وجميع المقترحات يتعين بحثها بشكل بناء».

واعتبر ناصر بوريطة أن منع مسؤول أممي من زيارة منطقة تعرف نزاعا أمر مرفوض، حيث يظل ذلك من مسؤوليته وواجباته، لكن بالطبع «الأخذ بها أو رفضها قرارات سيادية ينبغي اتخاذها في إطار الاحترام المتبادل»، وفق تعبير بوريطة، الذي خلص إلى أن أخطر ما يواجه هذه السياسة التحريضية على المسؤول الأممي، هي عدم الاستقرار الذي يمكن أن يشتعل في الشرق الأوسط، منبها في النهاية إلى أن من شأن ذلك أن «يغذي الكراهية والمتطرفين ويمثل عاملا مغذيا للإرهاب».