حرب ضد الخواء ! 

تضبط نفسك متلبسا، أحايين عديدة، بقراءة تدوينات وتغريدات، ستحاسبك نفسك، والملائكة المرافقة لك يوما أنك قرأتها، وأنك أضعت الوقت في التأمل في سحنات أصحابها وصاحباتها بعد القراءة، طمعا في الفهم، وأملا في قليل من الشرح، ورغبة في تفسير ما يجعلك تفهم لماذا يكتبون هذا الذي يكتبونه. 

لاتجد، ولاتعثر، ولاتلفي، ولاتلتقي بأي شيء: الخواء وحده ينتظرك مترصدا في الانعطافة الأولى والثانية والعاشرة، وفي كل المنعرجات. 

تترحم على الزمن الذي لم تكن تقرأ فيه إلا الكتب والجرائد والمجلات، ثم تنتبه إلى الفخ ياجورج، وتصارح نفسك أن ذلك الزمن اللعين هو سبب إحساس الهباء الذي يجتاحك اليوم عندما تطالع هذا الخواء المستشري. 

ربما، لو لم يكن ذلك الزمن، وتلك الكتب وبقية الجرائد والمجلات، لكنت الآن في راحة أخ الجهالة الذي ينعم في شقاوتها، ولكنت تبارزهم في اقتراف آيات الغباء والبلادة يوما بعد يوم، عند زوكربيرغ في فيسبوكه، أو عند اللطيف إيلون ماسك المبني لمجهول x إبن x، مثل اللقطاء واللقيطات وأبناء وبنات الفراش فقط، الذي ملؤوا الدنيا ببلادتهم والحمق، وشغلوا الناس بمقترفات لاتنتهي، ولن تنتهي أبدا. 

حل واحد يبقى أمام العالقين في هذا المستنقع: إما الغوص فيه نحو مزيد من البحث عن عمق الانحدار، وإما تخليص الرجلين من الوحل والهروب قبل الغرق الأخير.

ولكل اختياره، بل اختياراته في نهاية المطاف.

 

ولو طارت…انتصار ! 

يمضون الوقت في سبك، فقط لأنك غير مقتنع بأن القتل والقتل المضاد هو الحل. 

لم تعد مضطرا حتى لشرح الاقتناع، لأن الموجودين في الضفة الأخرى لاينصتون، وتلك الجلود الدائرية الموجودة في رأسهم من الجهتين، ليست آذانا تصلح للاستماع والإنصات. 

لا، هي مجرد فتحات للتهوية، مخارج استغاثة في حالة عدم القدرة على الصراخ والضجيج والعويل بالفم. 

لذلك لا أمل في نقاش عاقل ذات يوم مع الحمقى، وقديما قيل لنا على سبيل النصيحة الثمينة "اللي شفتيه راكب فوق القصبة، قل ليه مبروك العود". 

مبروك العود إذن، ومبروك العيد، ومبروكة هي كل هاته الانتصارات التي يعتقدها العاقلون وهمية وغير موجودة على أرض الواقع، ويراها الصارخون بالضجيج والعويل واقعا لايرتفع، وعندما تسألهم بسذاجة صادقة: أين هي؟ يجيبونك بنفس الصراخ: أسكت أيها الخائن العميل!!!

تسكت، لكنك تواصل طرح السؤال في دواخلك، وبينك وبين نفسك: "لا بالصح…أين هي هذه الانتصارات؟". 

عطيني الفيزا…والباسبور !!!

حتى في أسوأ الكوابيس، هذه الفكرة لم تجرأ على مطاردتنا: التأشيرة ضرورية من أجل الذهاب إلى…عنابة! 

لا، هذا أمر فوق المحتمل حقا، وفوق ماتستطيع النفس البشرية الضعيفة استيعابه والقبول به، ولو في إطار الرضا بالقضاء، خيره وشره.

طيب، لنفترض جدلا أن الذبابة الشهيرة لسعتنا في مقتل، واقتنعنا بأننا يجب أن نجمع الأوراق الثبوتية من أجل إنجاز ملف الحصول على تأشيرة لدخول بلاد تبون وشنقريحة، ولنفترض أيضا أننا واصلنا نفس الحمق، واشترينا تذكرة سفر من الخطوط الجوية الجزائرية، واعتبرناها مغامرة "فيد الله"، ولنفترض أيضا أن الطائرة حطت بنا بحمد الله في أمن وسلام في مطار الهواري بومدين، ماذا سنفعل هناك؟ 

ما الذي يمكن أن تفعله، أو تراه، أو تعيشه، أو تحياه، أو تعتبره يستحق فعلا قطعة العذاب التي هي السفر في الشقيقة الموضوعة قربنا من طرف الجغرافيا، لسانا كبيرا أخرجه لنا القدر في وجوهنا كل يوم؟ 

"شنو غادي نندبو تماك؟"، هذا هو السؤال، وهذه هي المسألة!

التأشيرة من أجل دخول الجزائر؟؟؟ فعلا، اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون، أو بعبارة أخرى أكثر مغربية "علامات الساعة هادي آسميتك!".