بينما اعتبر المغرب نفسه غير معني بتاتا بقرار محكمة العدل الأوروبية، وقال إن القرار يهم الشأن الداخلي لدول الاتحاد الأوروبي، كان للنظام العسكري في الجزائر رأي آخر، وقرر أن يمارس الوصاية على هذه الدول ويفرض أجندته عليها بالقوة.

وفيما يشي بحالة الهذيان التي تعدت كل الخطوط، قالت وكالة الأنباء الجزائرية إن وزارة خارجية النظام العسكري استدعت سفراء عدد من الدول الأوروبية، السبت الأخير، لطلب تقديم توضيحات حول البيانات التي أصدرتها حكوماتهم بشأن الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الأوروبية المتعلق بإلغاء الاتفاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب والتي تشمل إقليم الصحراء.

ويكشف هذا السلوك أن النظام العسكري الذي قرر «إعلان الحرب» على كل دول الاتحاد الأوروبي، فقد كل ذرة عقل، لدرجة اللجوء إلى استعمال الآلة الدبلوماسية، لخدمة قضية يدعي دائما أنها لا تعنيه، وأن دوافعه في تبني «قضية الصحراويين» مسألة تدخل في صميم دفاعه «عن حق تقرير مصير الشعوب»، ليس إلا، لكنه يتناسى دائما هذا الأمر، ويتحول لمدافع شرس مستعد لتقديم وطنه ومقدرات شعبه فداء لفائدة «الصحراويين» وحقهم «في تقرير المصير».

ومن أجل هذا الحب المرضي لقضية أصبح الجميع مقتنعا بأنها لا يمكن أن تحل خارج الثوابت المغربية، وقررت العديد من القوى الدولية مراجعة موقفها، اقتناعا منها بأن الحق في الطرح المغربي، وأيضا أن مأساة الصحراويين المحتجزين في مخيمات العار في تندوف لايمكن أن تحل إلا بدمجهم في إطار مخطط الحكم الذاتي، لكن النظام العسكري ظل وحده مصرا على معاكسة هذه القناعة، لدرجة التضحية بالوطن من أجل هذه القضية الخاسرة.

ويبدو أن رد المغرب الذي كان هادئا، واعتبر أن القضية لا تعنيه، أزعج النظام العسكري، الذي كان يراهن على هذا القرار، والذي أنفق عليه الكثير، وفق ما رشح من معلومات حملتها ما وراء تصريحات وزير الخارجية ناصر بوريطة، ما دفعه لهذه الخرجة غير المحسوبة، لاستدعاء دول الاتحاد الأوروبي، ومحاولة ممارسة الوصاية عليها، لكونها «تجهل مصالحها»، وتمس بذلك بمصالح شعوبها التي تهم النظام العسكري، كما تهمه مصالح «شعب الصحراء».

ويكشف هذا التصرف عن المرض الذي يسكن النظام العسكري، والمرتبط أساسا بمحاولة الإساءة للمغرب، ذلك أن قراره بفرض التأشيرة على المغاربة، والذي اعتبر الجميع أنه لا مبرر له، في ظل قرار سابق بإغلاق الحدود، ومنع الطيران، لكنه كان فقط محاولة منه لإزعاج المغرب، ودفعه لإبداء رد فعل ما قد يمنح للنظام المهزوز بعض الراحة النفسية.

لكن عدم رد المغرب رسميا على القرار، واعتبار كأنه لم يكن أصاب النظام العسكري في مقتل، وأضاف له صفعة جديدة من سلسلة صفعات تلقاها من المملكة، التي ظلت تعتمد أسلوب تجاهل مشاكسات هذا النظام، ومواصلة عملها في صمت، وهو الأسلوب الذي يفقد هذا النظام بوصلته، ويضعه في زاوية ضيقة، محاولا استجداء انتصار ما، كما حدث في لقاء السبت الماضي، الذي قالت وكالة أنباء النظام العسكري، نقلاً عن مسؤول في خارجية هذا النظام، إن «معظم السفراء أكدوا أن تلك البيانات لا تعني البتة معارضة دولهم للقرارات التي تبنتها المحكمة، أو رغبتهم في عدم مراعاتها مستقبلا».

وفي محاولة لتقديم هذا «النصر» للجمهور، بعد صفعة الرد المغربي على القرار، حاول النظام تقديم شيء ما، حيث قال الوكالة العسكرية إن «سفراء الدول الأوروبية شدّدوا على أن دولهم ستلتزم بقرارات المحكمة الأوروبية، باعتبارها دول قانون»، وهو أمر ما كان يحتاج لكل هذا الضجيج، وما كانت دولة العسكر ملزمة بشحذ كل دبلوماسييها وآلتها الدبلوماسية، من أجل الإعلان عن سبق مثل هذا.

بل أكثر من ذلك استطاعت هذه الآلة أن تخرج بتصريح نسبته لبعض السفراء، دون أن تقول من هو هذا السفير الذي صرح بذلك، ضدا عن كل الأعراف، لكن جعلته خبرا مجهولا كعادتها، حيث ادعت أن «من بين هؤلاء السفراء من استغرب مضمون البيان المنشور من قبل المفوضية الأوروبية الذي غلّب شريعة المتعاقدين على الأحكام التي نطقت بها أعلى هيئة قضائية أوروبية»، في سلوك ينم عن فشل ذريع تلقاه النظام، وقرر معه الإقدام على هذه الخطوة الغبية.

ويبدو أن إقدام النظام العسكري على هذه الخطوة مؤشر على فقده لكل موقع قدم داخل دول الاتحاد الأوروبي التي أصبحت محرمة عليه بعد الخطوة الأخيرة لفرنسا، بعد أن تبين أن الاختراق المغربي لعدد من العواصم الأوروبية نجح في تفكيك أواصر الدعم الذي كانت بعض الدول تبديه للأطروحة الانفصالية، وهو النجاح الذي مكن دولا استعمارية قديمة، مرتبطة بملف الصحراء مباشرة، لتغير موقفها تماما، مثل إسبانيا وفرنسا، وتحقيق اختراق مماثل في دول تتماهى عادة مع مثل هذه «الشعارات الحقوقية»، من قبيل الدول الاسكندنافية، والتي بدأت تراجع مواقفها بشكل واضح.

ومع هذا الاختراق، يمكن اعتبار تحديد زيارة ماكرون للمغرب نقطة نهاية للمشروع الانفصالي في القارة العجوز، ذلك أن فرنسا الدولة الاستعمارية السابقة كانت تحدد بشكل كبير مسار السياسة الأروبية، فيما يرتبط بملف شمال إفريقيا، وتكون خطوتها بالاعتراف بمغربية الصحراء نهاية أحلام الكابرانات للمراهنة على دعم أوروبي، كانت تحقق فيه بعض النقاط، لكن يبدو أنها قد سقطت بالضربة القاضية.

كما أن ما أزعج النظام العكسري كثيرا هو كون قرار محكمة العدل الأوروبية لم يحقق مبتغاه، بعد أن سارعت العديد من الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي للإعلان عن رفضها لمضمونه، والتأكيد على تمسكها بالعلاقة المتميزة لهم مع المغرب، قبل أن يسارع البرلمان الأوروبي لتأكيد ذات الموقف، ورفضه مناقشة القرار، فيما وصف بالصفعة في وجه داعمي الكيان الانفصالي داخل البرلمان الأوروبي، ليخرج النظام العسكري بمسرحية استدعاء السفراء، فيما يؤشر لنهاية مشروعه داخل فضاء دول الاتحاد الأوروبي.