"بيناتنا" ودون أن يفقد أي كان صوابه، ويقلقه هزلنا منه ومعه: المناظرات الدائرة رحاها هذه الأيام هي فعلا "شكل ثاني".

الفيزازي ضد بنكيران، البورقادي ضد المالكي، مايسة ضد نفسها وضد الجميع، ولد الشينوية ضد الشينوي دون إخطار السفارة الصينية هنا في المغرب، صديقنا تحفة، آخر شعراء اليوتوب المحترمين، ضد حميد وعزيز وعلي و من يناديه تحببا "زيكو" وضد بقية البقية من الزبد الذاهب جفاء، "وزيد وزيد وزيد"…

وحقيقة يشعر المرء بفخر شديد، ويكاد يقف إجلالا وتقديرا واحتراما لهذا التناظر الفكري الراقي، العالي مستوى ومقاما، والمفيد من كل النواحي الذي يجمع المبحرين بالمبحرات، والعكس صحيح أيضا، في عوالم "انقر عليا انقر عليك"، التي صنعت في الأساس، وفي بدء البدء من أجل تسهيل التواصل بين الناس، وتمكين الكوكب الصغير المسمى الأرض من التغلب على تخلفه من خلال قفزة رقمية هائلة، اتضح أنها كانت فقط في البحر أو المسبح، دون ملابس.

"عاتسوطينا وصافي".

كنا بخير وعلى خير، ولاينقصنا أي خير، سوى النظر في وجوه بعضنا العزيزة، وفجأة أتى الأنترنيت، والستريمينغ، واللايفات، ولايفات اللايفات، ومن تبع اللايفات بلايكات وجيمات إلى يوم الدين، فانقلب الحال، وتغير المآل، وصارت عبارة "شحال عندك من تابعين؟" هي السؤال.

وعندما ضاق بالمبحرين والمبحرات البوز، أصبحوا يتناظرون فيما بينهم، ويسمون عملية "المعاطية" التي تجمعهم ببعضهم البعض، ويتابعها الجمهور على سبيل التسلية فقط لاغير: مناظرات، بل وأصبحوا يطلقون على أنفسهم الألقاب الفخمة والتسميات دون انتظار تصدق أي منا عليهم بها.

هكذا خلقت الأساطير والأباطرة وأميرات العفة، والملكات بالحجاب، وقاتلة أعدائها بالفقصة، وصحافي الشعب، وإعلامي الجماهير، ومدون الجماعات، وكاسر قلوب العذارى المنتظرات وهلم جرا، و "تجرجيرا" في الناس مع أن هذا الشعب طيب في العمق، ولايستحق هاته النماذج.

أصلا هو كان يعتقد الحكاية مجرد مزحة ثقيلة وسمجة، سيضحك منها قليلا وسبذهب. لكنه الآن يجد نفسه فريستها وضحيتها، بعد أن بدأت تطالب بهيكلة نفسها، وإدخالها في كل القوانين التشريعية القادمة التي ستنظم ميدان النشر.

وجميل جدا أنه يسمى ميدان النشر، وليس الصحافة، لأن هذه المناظرات القاتلة والجاهلة التي تقع تدخل تحت يافطة "النشر" الكبرى، ولاعلاقة لها بإعلام أو صحافة.

هي نشر، بموجبه ينشر المبحر والمبحرة زميلهما على رؤوس الأشهاد، وينشرون غسيلهم المتسخ، وينشرون أرصدة بعضهم البعض الملتبسة، وينشرون ماتبادلوه في السابق من مكالمات ورسائل وتسجيلات فيما بينهم، وينشرون نوعا من المحبة هو كالكره أو يكاد، لكنه في النهاية يكشف فقط أن قبيلة المتناظرين هاته لازالت قادرة على ارتكاب واقتراف المشاعر، مع أننا نكاد نؤمن أنها لم تعد تحس، وأنها منعدمة الإحساس فعلا.

ماذا نقول بعد كل هذا؟

لاشيء، ولا شيء إطلاقا. فقط، نطالب بالمزيد من هذه المناظرات. فبها، وبها فقط، نعرف أننا في الطريق السليم، لأننا أبدا لم نصدق كل هذا "التناظر" و "ماعمرنا درنا فيه راسنا" رغم كل الإغراءات.

واصلوا يرعاكم الله، واصلوا يغفر لي ولكم الله.