فيما يشبه ردا غير مباشر على الهرولة التي قام بها النظام العسكري، عبر استدعاء وزارة خارجية الجزائر لعدد من سفراء دول الاتحاد الأوروبي، أكد جوزيف بوريل، أمس الإثنين، على «القيمة الكبيرة» التي يوليها الاتحاد الأوروبي للشراكة الاستراتيجية مع المغرب.

وإمعانا في تأكيد تشبث دول الاتحاد بهذه الشراكة الاستراتيجية، قال بوريل خلال ندوة صحفية قدم خلالها خلاصات مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، المنعقد بلوكسمبورغ، أن جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تسعى لتعزيز الشراكة التي تربط المغرب والاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أنها «شراكة واسعة النطاق، طويلة الأمد، كثيفة وعميقة»، ما يوضح حجم الضرر الذي أصاب النظام العسكري وفشل مخططه لتسجيل نقطه في صلب علاقات المغرب ودول الاتحاد الأوروبي.

وربط متتبعون هذه التصريحات بالخرجة الغبية للنظام الجزائري، حين حاول التأثير على دول الاتحاد الأوروبي، وفشل محاولته استغلال قرار محكمة العدل الأوروبية، للإضرار بالمملكة، عبر تأليب سفراء دول الاتحاد المعتمدين بالجزائر، لكن يبدو أن الرسالة تم تقابلها بالتجاهل، أسوة بالسياسة التي يتبعها المغرب بعدم الانسياق أمام محاولات النظام العسكري، لجر المملكة نحو سجالات عقيمة.

ويبدو أن هذه السياسة هي التي بدأت تؤتي أكلها، حيث تجاهلت دول الاتحاد الخطوة الجزائرية، ولم يتم الرد عليها، لكن وبطريقة غير مباشرة تم تكليف الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، بتقديم رسالة للنظام العسكري، عله يستوعب أن القطار انطلق في مساره، ولن توقفه مهاترات النظام العقيمة.

وهذا يؤكده بالضبط إعراب الدول الأوروبية 27 عن التزامها بتعزيز والحفاظ على الشراكة مع المغرب في جميع المجالات بل ما أشار بوريل هذه الشراكة ستشهد تطورات إيجابية في الأشهر المقبلة.

وفي هذا السياق، قال بوريل إن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أخذوا علما بالأحكام الصادرة عن المحكمة، لكنه عاد، وكأنه يخاطب النظام العسكري، ليؤكد على مضمون البيان المشترك الذي أصدره مع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، والذي تم من خلاله تجديد التأكيد على التزام الاتحاد الأوروبي لفائدة الحفاظ أكثر على علاقاته الوثيقة مع المغرب وتعزيزها في كافة المجالات، انسجاما مع مبدأ «العقد شريعة المتعاقدين».

تأكيد بوريل على قرار دول الاتحاد الالتزام بالاتفاقيات المبرمة مع المغرب، انسجاما مع مبدأ «العقد شريعة المتعاقدين»، جاء بعد الخرجة الخرقاء للنظام العسكري، ودفع وزارة خارجيته لاستدعاء سفراء عدد من الدول الأوروبية «لطلب تقديم توضيحات حول البيانات التي أصدرتها حكوماتهم بشأن الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الأوروبية المتعلق بإلغاء الاتفاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب والتي تشمل إقليم الصحراء‫».

هذا الموقف الأوروبي الجماعي والمشترك الداعم للمغرب يأتي ردا على الضغوطات التي حاولت الجزائر ممارستها نهاية الأسبوع، ويوضح أنه رد لاذع من الاتحاد الأوروبي على الجزائر، بل أكثر من ذلك هو اصطفاف حقيقي لمجلس الاتحاد الأوروبي وللمفوضية الأوروبية وللمفوضية الأوربية للشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، إلى جانب المغرب.

وكشف هذا السلوك عن حالة السعار التي أصابت النظام العسكري، لدرجة اللجوء إلى استعمال الآلة الدبلوماسية، لخدمة قضية يدعي دائما أنها لا تعنيه، وأن دوافعه في تبني «قضية الصحراويين‫»، مسألة تدخل في صميم دفاعه ‫«عن حق تقرير مصير الشعوب‫»، ليس إلا، لكنه يتناسى دائما هذا الأمر، ويتحول لمدافع شرس مستعد لتقديم وطنه ومقدرات شعبه فداء لفائدة «الصحراويين‫»، وحقهم «في تقرير المصير‫».

ومن أجل هذا الحب المرضي لقضية أصبح الجميع مقتنعا بأنها لا يمكن أن تحل خارج الثوابت المغربية، وقررت العديد من القوى الدولية مراجعة موقفها، اقتناعا منها بأن الحق في الطرح المغربي، وأيضا أن مأساة الصحراويين المحتجزين في مخيمات العار في تندوف لا يمكن أن تحل إلا بدمجهم في إطار مخطط الحكم الذاتي، لكن النظام العسكري ظل وحده مصرا على معاكسة هذه القناعة، لدرجة التضحية بالوطن من أجل هذه القضية الخاسرة‫.

ويبدو أن إقدام النظام العسكري على هذه الخطوة مؤشر على فقده لكل موقع قدم داخل دول الاتحاد الأوروبي، التي أصبحت محرمة عليه بعد الخطوة الأخيرة لفرنسا، بعد أن تبين أن الاختراق المغربي لعدد من العواصم الأوروبية، إذ نجح في تفكيك أواصر الدعم الذي كانت بعض الدول تبديه للأطروحة الانفصالية، والتي عادت لتؤكد عن قناعتها هذه عبر بوابة الممثل السامي للاتحاد‫.

بوريل واصل، وكمن يصب الزيت على نار حقد النظام العسكري، ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك على تمسك دول الاتحاد بهذه الشراكة، بقوله ‫«لقد أقمنا علاقات ودية وتعاونا متعدد الأوجه مع المغرب، ونأمل أن نستمر في مواصلتها وتعزيزها خلال الأشهر القادمة»، قبل أن يواصل التأكيد على «التعاون الوثيق مع المغرب، وتطلع الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز هذه العلاقات والحفاظ على هذه الشراكة في كافة المجالات».