عند تتبع الخطاب الملكي خلال افتتاح البرلمان، نجد إشادة جلالة الملك محمد السادس بالجهود التي تبذلها الدبلوماسية الوطنية. يقول جلالته: "لا يفوتنا هنا، أن نشيد بالجهود التي تبذلها الدبلوماسية الوطنية، ومختلف المؤسسات المعنية، وكل القوى الحية، وجميع المغاربة الأحرار، داخل الوطن وخارجه، في الدفاع عن الحقوق المشروعة لوطنهم، والتصدي لمناورات الأعداء”.

هذه الإشادة تحمل في طياتها اعترافا بالعمل الدؤوب والصامت الذي يقوده الفريق الدبلوماسي الوطني، والذي يعد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أحد ركائزه.

الرجل الذي يمشي بخطوات ثابتة على رمال الدبلوماسية المتحركة، يثبت- يوما بعد يوم - أنه قادر على تحويل التحديات إلى إنجازات، والأفكار إلى واقع ملموس. يعمل في هدوء، أو ما يظهر منه، ويفضل ألا يكون في مركز الاهتمام، ويدرك جيدا أن العمل الحقيقي لا يحتاج إلى "أضواء مسرح الإعلام".

لكن ما الذي يميز بوريطة عن غيره؟ هل هو مجرد وزير شاب، مقارنة بمن يجلس على كرسي هذا المنصب الحساس؟ أم هو سياسي ماهر يعرف كيف يحول التحديات إلى فرص؟ ربما يكون قليلا من هذا وكثيرا من ذاك، لكنه -بلا شك- يملك لمسة سرية: الصمت المدروس، والعمل رغم الانتقادات.

فالعمل الهادئ والمتوازن الذي يُنفذ وفق توجيهات ملكية دقيقة، يركز على تعزيز مكانة المغرب على الساحة الدولية، مع إيلاء أهمية كبرى للقضية الوطنية الأولى، قضية الصحراء المغربية. وبفضل هذه الرؤية الاستراتيجية المتبصرة، تمكن المغرب من تحقيق مكاسب دبلوماسية مهمة، سواء على المستوى الإفريقي أو الدولي، دون الحاجة إلى اللجوء إلى الصخب الإعلامي أو التصريحات النارية أو ردود الفعل الشاردة.

إحدى أبرز هذه الإنجازات هي خطوة فتح القنصليات في العيون والداخلة، التي رأى البعض، في بداياتها، أنها رمزية، لكنها تحولت فيما بعد إلى جسور للتعاون الاقتصادي والتجاري. هذه الخطوة ليست مجرد إشارة دبلوماسية، بل جزء من استراتيجية أوسع نسجها بوريطة لترسيخ علاقات المغرب مع الدول الإفريقية والعربية والغربية الصديقة للمغرب.

في حديثه عن المبادرة الملكية "إفريقيا الأطلسية"، أكد بوريطة، أكثر من مرة، أن هذا الفضاء لديه كل شيء ليكون منطقة سلام وازدهار مشترك. فالمغرب يدرك أن المحيط الأطلسي ليس مجرد مساحة مائية وتلاق جغرافي، بل هو شريان حياة يربط بين قلوب الشعوب وثقافاتها.

ومن خلال المبادرات الملكية مثل مشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا، حاول الوزير إيصال فلسفة المغرب في تعزيز التكامل الإفريقي، لتحويل التحديات إلى فرص، والأحلام إلى واقع ملموس، تحت شعار رابح رابح وبعيدا عن جشع دول الجوار.

التعامل مع هذه التحديات الوطنية في بعدها الإقليمي يتطلب دبلوماسية هادئة تعتمد على بناء شراكات قوية ومستدامة. هي رؤية تعزز مكانة المغرب كفاعل رئيسي في المنطقة، وترسخ دوره كشريك يعتمد عليه في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

فالدبلوماسية المغربية لا تكتفي بتحقيق الإنجازات الآنية، بل تضع نصب عينيها استشراف المستقبل، وبناء علاقات طويلة الأمد تضمن استمرار النجاحات. الأمن في منطقة الساحل، ومواجهة الإرهاب، والجريمة العابرة للحدود، كلها ملفات يتم التعامل معها بجدية، بهدف خلق بيئة مستقرة تتيح للدول الإفريقية تحقيق تنميتها الاقتصادية بعمل مشترك.

هنا تظهر الدبلوماسية المغربية الحديثة، لتؤكد أن القوة الحقيقية لا تكمن في الضجيج الإعلامي، بل في العمل الهادئ والصامت الذي ينهجه ناصر بوريطة وأمثاله ممن جعلوا الوطن بوصلتهم، لتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، ما يجعل من المغرب شريكا موثوقا وفاعلا قويا في الساحة الدولية.