ذلك الطلب الذي كان حييا في البدء يعبر عنه اللبنانيون واللبنانيات بهدوء، صار اليوم صرخة غاضبة وصلت إلى كل أنحاء العالم: حان الوقت لاستقلال لبنان عن إيران، وعن ميليشيا حزب الله. 

ليس هناك ما هو أقسى من مشهد رئيس الحكومة اللبنانية المكلف بتصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، وهو يصرح: «هذه الحرب لم نقرر دخولها، هي فرضت علينا، ونحن نؤدي ثمنها والسلام». 

وطبعا الجميع يعرف من فرض هذه الحرب الظالمة على البلد الجميل الذي لا يستحق كل هذا الشر، والجميع يشير إلى إيران، وإلى الميليشيا العميلة لها هناك في لبنان «حزب الله». 

الأخطر في الحكاية كلها هو أن هذا الكلام، مع أنه الصدق فقط، والحقيقة فقط، والواقع فقط، ممنوع قوله في العالم العربي اليوم. لماذا؟ 

لئلا يقال عن قائله إنه ضد «المقاومة»، ومع إسرائيل!!!

تصوروا أين وصل الحمق الجماعي بالعقل، أو في الحقيقة باللاعقل في المنطقة: بلد يفرض حربا مدمرة وقاتلة على بلد آخر لا يتحمل وقعها، ويتسبب في مقتل الآلاف، وفي نزوح ما يقارب المليون شخص من مساكنهم، وفي تشريد وجرح مئات الآلاف، وفي تدمير اقتصاد مدمر أصلا للبلد الثاني الذي لم يخرج من حرب إلا لكي يدخل التي تليها، ومع ذلك لا تستطيع أصوات الحق أن تقول لإيران ولعملاء إيران في المنطقة «اللهم إن هذا منكر». 

أسوأ من هذا، هناك طائفة بعيدة جدا عن مناطق التوتر والقتال، قريبة فقط من الأنترنيت والحديث فيه وعبره، تمضي اليوم بطوله في التغني بالبطولات الإيرانية المزعومة، وفي تخوين كل من يقول إن هذه الحرب بالوكالة يجب أن تتوقف. 

هذه الطائفة المتكلمة، والمتكلمة فقط، لا تحتمل أصغر جرح قد يمس ابنا من أبنائها وهو يلعب الكرة أو «الطابة» مثلما يقول اللبنانيون المساكين، لكنها أمام هذا الدم اللبناني الذي يسيل هدرا لأجل إيران وأطماعها في المنطقة، تمثل دور شاهد الزور الذي لم ير شيئا، بل والذي يقلب الحقائق كلها، ويريد أن يقنع الناس بكذبة المقاومة هاته من أرض هي أرض محتلة في نهاية المطاف. 

نعم، لبنان محتل حتى إشعار آخر، وهو ليس محتلا من طرف إسرائيل، بل بخضع، ومنذ سنوات عديدة للاحتلال الإيراني عبر ميليشيا «حزب الله»، التي تفتخر بأنها دولة فوق الدولة، وليس داخلها هناك، بل والتي تفاخر الجيش اللبناني أن لديها منظومة أسلحة أقوى وأفضل منه، مع كل ما في هذا التفاخر من تهديد واضح وظاهر لهذا الجيش إن فكر يوما في ممارسة صلاحياته الأولى: استعادة سلطته على البلد ونزع سلاح كل الميليشيات، وفي مقدمتها «حزب الله». 

للبنان في قلب كل عربي، بل في قلب كل مؤمن بالإنسانية، مكانة خاصة جدا، فهو بلد الحياة والجمال والفن والإبداع والكتابة وكل أشكال الرقي والتحضر، وقتا طويلا قبل أن يصل الرقي إلى المنطقة كلها. 

لذلك يشعر كل محب حقيقي لبلاد الأرز بالألم الشديد أن عمائم إيران القبيحة أمسكت بخناق كل هذا الجمال، وحولته إلى ركام تراب يدفن تحته الناس يوميا بالعشرات والمئات الآلاف، فقط لكي يجد المرشد ومن معه آليات تفاوض أفضل مع أمريكا التي يلقبونها بالشيطان الأكبر، مع أن اللبنانيين يقولون إن الشيطان الأكبر الحقيقي هو إيران. 

محزن، لكنها ضريبة استعمار يجب أن يرحل ذات يوم لعله يقترب أكثر فأكثر.