ولأن العادة لدينا، منذ قديم القديم، هي التفاعل مع الجميع، كبارا وصغارا، وأناسا في المنتصف، فإن العبد لله بحرص على التفاعل الإيجابي الطيب الصادق مع كلام سمعته في الأنترنيت منذ أيام، وما أكثر ما نسمعه ونراه في الأنترنيت هذه الأيام. 

مواطن مغربي، وأنا هنا لست مؤهلا لكي أحكم عليه بتهمة ممارسة الصحافة، أو لكي أحكم ببراءته من علة التورط في اقترافها، قال في فيديو نشره، ضمن كثير الفيديوهات التي ينشرها باستمرار، وبوتيرة تثير الغبطة المحمودة فعلا، إنه كان ينتظر من نقابة الصحافيين ومن فدرالية الناشرين في البلد أن تتضامن معه في وجه دعوى رفعها ضده أحد الوزراء. 

هذا المواطن، ولن أقول الصحافي، لأنني لست عضوا في لجنة منح البطائق المهنية، ولا أملك أي صفة تخول لي الحق في وصف نفسي، أو وصف الآخرين، بأنهم فعلا صحافيون، قال أيضا إن عدم تضامن النقابة والفدرالية معه دليل على أن «الصحافة انتهت في البلد»، ودليل أيضا على صدق رئيس الحكومة الأسبق ابن كيران حين استعمل كلمة «التحكم»، ودليل على أشياء أخرى كثيرة ليس هنا أوان ولا مكان تبيانها أو الحديث عنها. 

المهم، لكي نعود لخرفاننا، مثلما يقول الفرنسيون، هذا المواطن غاضب من عدم تضامن نقابة الصحافيين وفدرالية الناشرين معه (لا أدري لماذا استثنى الجمعية الأكثر تمثيلية للناشرين في المغرب، أي الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، أو لعلها تضامنت معه من حيث لا أدري، وهذا ليس موضوع حديثنا اليوم على كل حال)، وهو يقول في الفيديو الذي بث عبره شكواه، ومختلف لواعجه إلى عموم من شاهدوه إن «عدم التضامن هذا دليل على أن حرفة الصحافة في المغرب ذهبت إلى زوال». 

هذا الرأي أولا محترم، حتى وإن لم يكن صائبا، لأننا تعودنا احترام كل الآراء بغض النظر عن قيمتها، ولأننا طالبنا ونطالب وسنطالب باحترام حرية الناس في كل المجالات، وضمنها مجال التعبير هذا، مما يعد لدينا فرضا مقدسا لا نحيد عنه إلى أن يحين الأجل المشترك بين كل العباد. 

احترام الرأي لا ينفي مناقشة صاحبه، وتذكيره، أو محاولة تذكيره أنه أصلا سبق له وحرض الناس، والجمهور والعوام، على زملاء له، لم يستطع مناقشتهم، فخونهم، وجعل بعض صغار العقول يرددون في الشوارع أسماءهم مطالبين بالانتقام منهم، فقط لأنهم عبروا أو كتبوا أو قالوا رأيا لم يرقه في وسائل إعلامهم. 

أيضا لا بأس من التذكير بأنك حين تبني (أسطورة جماهيريتك) على سب كل الصحافيين المنتمين لنقابة الصحافيين، وسب كل الناشرين المنتمين لفدرالية الناشرين، سيكون من باب البلاهة، أو السذاجة، أو الغباء، أو الجهل المركب، أو من باب «هبل تربح»، الاستراتيجية التي وجد فيها الكثيرون العصا التي يهشون بها على الغنم، ويقضون بها (المآرب الأخرى) أن تنتظر تضامن من شتمتهم ضد وزير شتمته هو الآخر. 

ثم إن أول مقتحم لكليات الحقوق في بلادنا يعرف أنه يحق للوزير، كما للغفير، أن يلجأ إلى القضاء، إذا ما أحس بأن شخصا ما مس كرامته، أو اتهمه بما ليس فيه، وهذا أمر عادي ولا يتطلب أن نقيم الدنيا ولا نقعدها لكي نحول الصحافيين، ومن هم في حكم الصحافيين إلى كائنات مقدسة ومعصومة من الخطأ، تعربد مثلما شاءت في حق المواطنين، كبيرهم وصغيرهم، وإذا ما لجأ أحد إلى القضاء في مواجهتنا صرخنا بالمؤامرات والتحكم، وانتهاء الحرفة، وبقية الترهات. 

وعلى ذكر انتهاء الحرفة، هي لم تنته لأن النقابة والفدرالية لم تتضامنا مع المواطن المذكور. 

هي انتهت، المسكينة المنكوبة، حسب عارفين حقيقيين بها، منتمين أصليين لها، يوم أصبح ممكنا دخولها دون حذاء، ونيل بطاقتها، والتطاول على أبنائها الأصليين، واتهامهم من طرف من لم يمارسها يوما بأنهم «ماشي صحافيين». 

الحكاية ابتدأت قبل هذا الوقت بوقت طويل، لذلك «كالما كالما»، وسيجد المشكل بين الوزير وبين المواطن إياه الحل عاجلا أم آجلا. 

المشكل العويص فعلا هو أن الحرفة لن تجد أي حلول لمشاكلها، وهنا أس الإشكال الفعلي، وهنا  «غنى فويتح الله يرحمو»، قبل أن يطلق العنان لبكائه الصادق والغزير، نعيا لكثير الأشياء، وحزنا حقيقيا عليها.