على بعد أقل من شهر، قبل حلول الذكرى الـ49 لملحمة المسيرة الخضراء، يبدو المشهد الدولي في التعاطي مع القضية المقدسة للشعب المغربي مختلفا عن زمن سابق، حين كانت الأطروحة الانفصالية لا تزال تحظى ببعض الدعم الدولي، من قبل قوى ودول فاعلة، ليتحول المشهد رأسا على عقب في اتجاه التصفية النهائية لنزاع مفتعل.

حوالي نصف قرن من المواجهة بين المغرب وجبهة عريضة من الدول المساندة للأطروحة الانفصالية، انتهت لتأكيد مشروعية توجه المملكة نحو استكمال وحدتها الترابية، لينتقل المشهد في النهاية للصورة التي عبر عنها جلالة الملك في خطابه الأخير أمام البرلمان، حين أكد هذا الواقع الجديد، ورسم ملامح المرحلة القادمة في التعاطي مع ملف الصحراء المغربية، والتي يتلخص عنوانها الأبرز في الانتقال من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير.

تأتي هذه المعطيات الجديدة، بينما يستعد مجلس الأمن الدولي، نهاية الشهر الجاري (أكتوبر)، لعقد الجلسة الثالثة والأخيرة حول ملف الصحراء المغربية، والتي ستناقش، كالعادة، مسألة تمديد مهمة بعثة المينورسو، بعد مناقشة تقرير الأمم المتحدة الذي سيعرضه على الدول الأعضاء في المجلس، والذي من المنتظر أن يقدم عددا من المعطيات التي توصف بالتاريخية، والتي قد تتوج المشهد الختامي نحو حلحلة هذا الملف، وإنهاء مسار طويل من التمديد لوضع قائم لا يحل الملف، ولكن يبقي عليه كما هو.

تقرير غوتيريش القادم

يبرز الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في تقريره الذي سيعرض على أعضاء مجلس الأمن الدولي، نهاية شهر أكتوبر الجاري، المستجدات التي عرفتها قضية الصحراء المغربية، وبالخصوص الانتصارات الدبلوماسية الجديدة التي حققها المغرب منذ آخر تقرير صدر في أكتوبر 2023.

ومن أبرز تلك الإنجازات، التي تشكل عنصرا جديدا وفاعلا في هذا التقرير، هو دعم فرنسا، العضو في مجلس الأمن، لسيادة المغرب على الصحراء، وهو ما سيتم تعزيزه بتقديم فرنسا لإحاطة لمجلس الأمن، لكشف تغير موقفها، واعترافها بمغربية الصحراء، حيث سيقوم ممثل فرنسا مجلس الأمن بتلاوة هذه الإحاطة على أعضاء المجلس، وكشف معطياتها ومبرراتها، بناء على وجهة نظر باريس.

هذا التحول هو ما رصده الخطاب الملكي، الذي أكد أن فرنسا، التي اعترفت مؤخرا بشكل صريح بالسيادة المغربية على الصحراء، تعرف جيدا حقيقة الصراع، حيث اعتبر جلالته أن «هذا التطور الإيجابي ينتصر للحق والشرعية ويعترف بالحقوق التاريخية للمغرب، لا سيما أنه صدر من دولة كبرى وعضو دائم في مجلس الأمن وعضو مؤثر في الساحة الدولية، وذلك بالإضافة إلى أن فرنسا تعرف جيدا حقيقة وخلفيات هذا النزاع الإقليمي».

وتبرز أهمية هذا التحول الفرنسي كونها تأتي بعد تحول أول لدولة عضو دائم بمجلس الأمن، ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية، والمشرفة على صياغة القرار الدوري لمجلس الأمن، إلى جانب المستعمر السابق لمنطقة الصحراء، والتي دعمت كذلك مغربية الصحراء، وهو الموقف الذي اعتبره جلالة الملك له «دلالات سياسية وتاريخية عميقة»، وهو التحول الذي يأتي لدعم الجهود المبذولة في إطار الأمم المتحدة «لإرساء أسس مسار سياسي يفضي إلى حل نهائي لهذه القضية في إطار السيادة المغربية»، كما قال جلالة الملك في خطابه أمام البرلمان.

وفي سياق تقديم الحصيلة، يتحدث تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن سياقات أخرى سجلتها القضية، بالإشارة إلى مبادرة جديدة من الملك محمد السادس تهدف إلى تعزيز وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، وذلك عبر البنية التحتية المغربية، وذلك ضمن جهود المملكة لتعزيز التنمية الاقتصادية، وفتح الباب نحو الاستثمارات الكبرى في مجالات الطاقات المتجددة، وتطوير البنية التحتية مثل الموانئ والطرق، والأنشطة التجارية.

التقرير الأممي سيعرض على أعضاء مجلس الأمن أيضا محاولات الانفصاليين تأجيج الوضع عبر كشف انخراطهم في عمليات إطلاق نار، ضدا على قرارات مجلس الأمن، حيث أكد التقرير أن جبهة البوليساريو استمرت في إطلاق الصواريخ نحو الصحراء المغربية، وأن القوات المسلحة الملكية المغربية أبلغت بعثة المينورسو عن 164 هجوما، 75% منها تركزت في منطقة المحبس، حيث أوضحت بعثة المينورسو، بعد زياراتها للمواقع المتأثرة، أن معظم هذه الصواريخ سقطت في مناطق خالية ولم تسبب أضرارا تذكر.

واستنادا للتقرير، فإن هذه الملاحظات المستقلة للمينورسو تناقض دعاية البوليساريو التي تدعي حدوث دمار واسع في الجدار الدفاعي المغربي وقواعد عسكرية، بالإضافة إلى وقوع خسائر بشرية في صفوف القوات المغربية، بينما أشار التقرير أيضا إلى الهجمات التي استهدفت المدنيين في سمارة وأوسرد، والتي لم تقدم جبهة البوليساريو أي إجابات عنها للمينورسو.

وبعيدا عن مسألة الضربات العسكرية، يلاحظ التقرير الأممي عدم حدوث أي تغير في مواقف الأطراف السياسية، حيث يستمر المغرب في رفض أي مفاوضات خارج إطار خطة الحكم الذاتي، مع التأكيد على ضرورة مشاركة الجزائر في المفاوضات، فيما تواصل هذه الأخيرة إنكار دورها كطرف في النزاع، في الوقت الذي تتخذ فيه مواقف متعارضة مع هذا الزعم، وهو ما لمح له التقرير الأممي، حين أشار الأمين العام إلى سحب الجزائر لسفيرها من فرنسا بعد إعلان باريس دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية، كرسالة تكذب ادعاء النظام العسكري في الجزائر، الغارق حتى أخمص قدميه في مستنقع المخطط الانفصالي.

هكذا اخترق المغرب معاقل الانفصاليين

مع قرب وضع نقطة النهاية لملف عمر لحوالي نصف قرن من الزمن، انتقلت فيه المملكة لتدبير ملف الصحراء، من عدة مستويات، تشابك فيها البعد العسكري، مع البعدين السياسي والديبلوماسي، في مرحلة معينة، قبل الانتقال لمستوى اقتصادي واجتماعي، ضمن صيرورة أثبت الزمن وجاهتها، للوصول لمرحلة جني الثمار، والتي توجت هذا المسار، والذي وصفه جلالة الملك في بعده الدولي بالصعب والمعقد، يمكن رصد عدد من المؤشرات التي تحيل على هذه الخلاصة.

أهم مؤشر هو ما كشفه مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، من خلال آخر تقرير له قبل القرار الدولي بخصوص الصحراء المتوقع نهاية شهر أكتوبر الجاري، خلال رصد تعداد الدول الداعمة لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، حيث عاين تجاوز تعداد البلدان التي تساند الطرح الانفصالي، حيث أوضح رسم بياني مرفق للتقرير الصادر بتاريخ 30 شتنبر 2024 حول «الإجراءات المتوقعة من مجلس الأمن» بخصوص قضية الصحراء أن تعداد الدول الداعمة للمقترح المغربي وصل إلى مستواه الأكبر على الإطلاق سنة2024 .

ويوضح الرسم البياني ارتفاعا واضحا في عدد الدول الداعمة للطرح المغربي منذ سنة 2019، حيث أصبحت القائمة تضم عضوين دائمين في مجلس الأمن، هما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وفي المقابل تراجع عدد البلدان التي تعترف بما يسمى «الجمهورية الصحراوية» منذ سنة2022 .

وعمليا فإن 164 دولة من أصل 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة لا تعترف بالطرح الانفصالي في الصحراء، أي ما يمثل 85 في المائة من دول المنتظم الدولي، في حين أن 112 بلدا تدعم بشكل صريح مبادرة الحكم الذاتي، بما في ذلك نحو 75 في المائة من بلدان القارة الإفريقية، وغالبية دول الاتحاد الأوروبي.

وداخل مجلس الأمن نفسه، يتضح أن الدول الخمسة الأعضاء أصبحت دولتان منها تعترفان بمغربية الصحراء، فبعد الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2020، جاء الدور على فرنسا سنة 2024، في حين تتخذ باقي الدول موقف الحياد، ولا تساند الطرح الانفصالي، حيث تتخذ الصين عادة، والتي لها وضع مشابه لوضع المغرب، بالنظر لملف تايوان، موقفا متوازنا، مثلها مثل روسيا الاتحادية، والتي تمتنع عادة على التصويت على قرار تمديد بعثة المينورسو، إلى جانب موقف المملكة المتحدة المتناغم دائما مع الموقف الأمريكي.

وبالرغم من كون دولتين فقط من الدول الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن من تعترف بمغربية الصحراء، إلا أن ذلك لا يؤشر لمساندة الدعم الانفصالي من باقي دول المجلس، حيث يصف مجلس الأمن عادة موقف المملكة المتحدة بأنه موقف محايد، يدعم حلا سياسيا عادلا ودائما ومقبولا من جميع الأطراف، مثلها مثل الصين التي تنبني سياستها على معارضة أي طرح انفصالي، انسجاما مع قناعتها التقليدية في حقها في استعادة تايوان.

وبالرغم من كون روسيا الاتحادية عادة ما تمتنع عن التصويت، وتتخذ موقفا محايدا، إلا أنها لا تذهب حد تبني الطرح الانفصالي، إذ بالرغم من تقارب مصالحها في فترة من الزمن مع مصالح الجزائر إلا أنها لم تذهب حد الاعتراف بالجمهورية الصحراوية الوهمية، حيث توضح أوراق مجلس الأمن أنها تعرب دائما عن دعمها للمفاوضات المباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو، وأن أي تسوية نهائية للقضية يجب أن تستند إلى نتائج مقبولة من الطرفين.

وبعيدا عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أصبحت خريطة دعم مغربية الصحراء تؤثث الفضاء الأوروبي، حيث باتت أغلب دول الاتحاد تؤمن بمغربية الصحراء. وبلغة الأرقام، فإن 18 دولة من أصل 27 دولة، وهو عدد دول الاتحاد الأروبي، تدعم المخطط المغربي، ما يعني أن أكثر من 70 في المائة من دول الاتحاد تقف في الجانب المغربي.

وفعليا اعترفت دول إسبانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا وقبرص ولوكسمبورغ والمجر ورومانيا والبرتغال وصربيا والتشيك وفنلندا وبلجيكا وإيطاليا وبولندا وبلغاريا وسلوفاكيا والنمسا والدنمارك، رسميا بمغربية الصحراء، بينما تقف باقي الدول حتى الآن موقف الحياد، دون أن تنخرط في دعم المخطط الانفصالي، خاصة بعد نجاح المملكة في اختراق معسكر الدول الاسكندنافية، التي كانت تاريخيا تساند مخطط الانفصاليين، قبل تحول كل من الدنمارك وفنلندا نحو تبني الموقف المغربي.

وعربيا، فإن الموقف واضح من البدالية، حيث تقف الدول العربية منذ البداية مع المخطط المغربي للحكم الذاتي، وهو الموقف الذي يقف النظام العسكري عاجزا أمامه، ويحاول بكل وسائله زرع الفتنة، حتى باستعمال وسائل تدليسية، كما حدث مؤخرا حين زعم تبون في حوار له على قنوات تلفزية جزائرية رسمية عدم وجود أي قرار للجامعة العربية بشأن مغربية الصحراء.

وفي ردها على هذه الترهات، استنكرت الجامعة العربية هذه التصريحات، واعتبرتها محاولة يائسة لزرع الفتنة بين العرب، وأكدت دعمها للوحدة الترابية للمملكة المغربية، ودعمها للمسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة، الجهة الرسمية المخول لها النظر في هذا الملف، وتأكيد ها دعمها لجميع قرارات مجلس الأمن المعتمدة منذ 2007، والقائمة على أولوية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، كأساس جذي وذي مصداقية وسبيل وحيد لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

وإفريقيّا، تدعم أغلب الدول الإفريقية، موقف المغرب، كما نجحت المملكة في الفترة الأخيرة في اختراق مناطق كانت تاريخيا تدور في فلك الجزائر، مثل منطقة القرن الإفريقي، حيث سجلت المملكة نقط انتصار، ممثلة في التقارب مع كينيا وإثيوبيا، القريبتين من دعم مخطط الحكم الذاتي المغربي، وهو ما سجله تقرير صادر عن معهد الدراسات الأمنية الجنوب إفريقي حين تحدث عن تراجع الدعم الإفريقي للبوليساريو، بعد أن سحبت عدة دول في السنوات الأخيرة، كانت داعمة للجبهة الانفصالية، اعترافها بالبوليساريو أو جمدته، مقابل تزايد الدعم للمقترح المغربية، موضحا أن 22 دولة فتحت قنصليات لها في الأقاليم الجنوبية للمملكة.

وبالنسبة لدولة آسيا، فإن الوضع في أغلبه مساند للطرح المغربي، سواء تعلق الأمر بالدول العربية، أو دول آسيا الأخرى التي تتعاطف في دعمها مع الموقف المغربي، خاصة الدول المؤثرة كالهند واليابان وأندونيسيا، والتي يتبنى أغلبها الطرح المغربي، أو على الأقل يتبنى بعضها الحياد، دون تبني موقف المخطط الانفصالي.

وفي أمريكا اللاتينية تمكنت الدبلوماسية المغربية، في السنوات الأخيرة، من اختراق هذا المعقل الذي كان يصنف من أشد الداعمين للموقف الجزائري المعادي للمغرب، لأسباب مرتبطة بسياقات تاريخية، ونجحت في تغيير الكثير من المواقف، التي كنت تتبناها دول أمريكا اللاتينية في سابقا، حيث أكد رئيس برلمان أمريكا اللاتينية والكاريبي (بارلاتينو) خورخي بيزارو إستيبان مؤخرا أن هذا التجمع الإقليمي، الذي يضم 23 برلمانا وطنيا، يتقاسم موقف المغرب بشأن بقضية الصحراء.

وهكذا نجح المغرب في اقتحام ما يمكن أن يوصف بأنه أهم فضاء جيو سياسي متفاعل مع الطرح الانفصالي، حيث عقد علاقات متميزة مع عدد من الدول المؤثرة في هذا الفضاء، من خلال ربط شراكات متعددة، مثل البرازيل والأرجنتين والشيلي، وهو ما رصدته «لارازون» الصحيفة البيروفية، التي قالت في مقال لها في يونيو الماضي إن هذه الدول «أدركت أنه لم يعد من الممكن السماح بوجود دول فاشلة في العالم، كما ترغب في ذلك الجزائر (...)، حيث يتم احتجاز الصحراويين في تندوف واستخدامهم من قبل البوليساريو وقودا للمدافع».

الرسالة الملكية لمواصلة الإقناع

بالنظر إلى خريطة العالم وتفاعلها مع قضية الصحراء المغربية، يبرز العمل الذي قاده جلالة الملك من أجل تحويل نظرة العالم لعدالة هذه القضية ومشروعيتها، وتغيير مواقف عدد من الدول التي كانت تتعاطف مع الطرح الانفصالي، وهو ما أكده جلالة الملك في خطابه الأخير، حين أكد أن المسار الجديد أصبح الجميع مقتنعا به في النهاية، موضحا جلالته أن المملكة أطلقت دينامية شاملة تهم التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بما يجعل من الصحراء محورا للتواصل والتبادل بين المغرب وعمقه الإفريقي، وما يسمح للدول الصديقة بمواكبة هذا المسار والاستفادة منه اقتصاديا واستثماريا.

وبالنظر للوضع الحالي لمسار ملف الصحراء المغربية، يتأكد بالملموس أن الرهان الذي أسسه جلالة الملك لتدبيره كان ناجحا، حيث تبنى مقاربة ديبلوماسية ذكية، لم تعتمد فقط على المشروعية المغربية التاريخية في تحرير أراضيه، بل تعداه لمستوى التخطيط المبني على المصلحة الإقليمية والدولية في خلق منطقة آمنة، ومحطة اقتصادية وتنموية، يتعدى مداها الدول القريبة، ليصل إشعاعها لعمق إفريقيا، وهو المسار الذي آمن به الجميع، بعد أن كان جلالة الملك يضع لبناته منذ اعتلائه العرش، دون أن تلتقط هذه الإشارات منذ البداية.

وبالطبع لم يكن هذا المخطط مجرد نوايا، بل تم تأسيس عناصره التي بدت في مرحلة ما أنها مجرد خطوات معزولة، لكن تأسيسها مع الوقت كشف بعد نظر جلالته، وهو ما أكده الخطاب، حين قال جلالته إن الملامح المستقبلية لمنطقة الصحراء، ترتبط بالمسار التنموي الراهن، الذي يضعها في صلب المبادرات القارية الاستراتيجية، وخص بالذكر كمشروع أنبوب الغاز المغرب - نيجيريا، ومبادرة الدول الإفريقية الأطلسية، إضافة إلى مبادرة تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي.

الخطاب الملكي، الذي أوضح أن المغرب قطع منذ ما يقارب ربع قرن، مع منطق «رد الفعل» لينقل إلى التعامل مع الملف وفق منطق «المبادرة والاستباقية»، وبإصرار على مواقفه الحازمة، بما يظهر، بكل الوسائل المتاحة «حقوق المغرب التاريخية والمشروعة» في الصحراء، كانت خلاصته هو هذه النتيجة البادية للعيان، والتي جاءت كثمرة لعمل طويل ممزوج بـ«الصبر والتأني»، وفق ما جاء في الخطاب، والذي أفضى إلى مراكمة الاعترافات بالسيادة المغربية على الصحراء، ودعم مقترح الحكم الذاتي للمنطقة تحت سيادة المملكة.

لكن هل انتهى الأمر؟ الجواب حمله الخطاب الملكي كذلك، حين أشار إلى أن ما تم تحقيقه من مكاسب يحتاج لمواصلة العمل، مع «ضرورة التحلي بالواقعية وعدم الارتكان لما تم تحقيقه، باعتبار أن المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع المزيد من التعبئة واليقظة، لمواصلة تعزيز موقف بلادنا، والتعريف بعدالة قضيتنا، والتصدي لمناورات الخصوم».

وفي الختام، وفي رسالة لمن لا يزال لم ينخرط فعليا في مقاربة المغرب، شدد جلالة الملك على ضرورة الاستمرار في العمل من أجل إقناع باقي الدول القليلة التي «ما زالت تسير ضد منطق الحق والتاريخ»، وذلك بالحجج والأدلة القانونية والسياسية والتاريخية والروحية، التي تؤكد شرعية مغربية الصحراء، وهو عمل لا يقع على عاتق الدبلوماسية المغربية فقط، بل «يقتضي تضافر جهود كل المؤسسات والهيآت الوطنية، الرسمية والحزبية والمدنية، وتعزيز التنسيق بينها، بما يضفي النجاعة اللازمة على أدائها وتحركاتها»، الأمر الذي يضع البرلمانيين في واجهة تلك الجهود، في أفق وضع نهاية لملف عمر لنصف قرن من الزمن.