بعد 21 سنة قضاها على رأس المندوبية السامية للتخطيط، منذ إنشأاء هذه الأخيرة في سنة 2003 ، كتب لأحمد الحليمي أن يغادر منصبه وهو في منتصف عقده الثامن، قبل الإعلان عن نتائج آخر إحصاء للسكان والسكنى على عهده.

خلال ولايته، تمكن الحليمي من تحقيق الكثير من المكتسبات، لكن أحدث أيضا كثيرا من الجدل، بل وحروب أرقام مع الحكومات المتعاقبة، إذ في كثير من الأحيان، كان يردد أن المندوبية السامية للتخطيط مؤسسة دستورية مستقلة،ولا تخضع لوصاية أي جهة.

بالنسبة لأستاذ الاقتصاد وخبير السياسات العمومية، عبد الغني يمني، فإن فترة الحليمي، رافقت كل التغيرات الجوهرية والإصلاحات الهيكلية والمحطات التي كانت في قلب العهد الجديد، مضيفا أنه خلال هذه الفترة أصبح للمغرب وجه جديد داخليا وخارجيا، والحليمي كان شاهدا على ما حققه المغرب للخروج من نفق ضعف النمو، وهشاشة الناتج المحلي وضعف البنيات التحتية.

صحيح أن الحليمي كرجل اقتصاد وسياسة، حسب المتحدث ذاته، جاء من زمن الإيديولوجيات المناضلة التي عفا عنها الزمن اليوم، لكن على عهده عرفت المندوبية السامية للتخطيط الكثير من التطوير، لاسيما فيما يتعلق بضخ جيل شاب مكون تكوينا صلبا في مجال الإحصائيات الاقتصادية، وصياغة التوقعات الاقتصادية، فضلا عن الاقتصاد القياسي المبني على الرياضيات المستقبلية.

مغادرة الحليمي الذي يناهز 85 سنة وتعيين شخصية أخرى مكانه، أمر مفهوم بالنظر إلى سن هذا الرجل البرغماتي والتقني الذي راكم تجربة استفاد منها كل الفاعلين والكوادر داخل المندوبية،يضيف يمني، مبرزا أنه من مكتسبات هذه الفترة، تموقع المغرب كرائد قاري وعلى على مستوى شمال إفريقيا والشرق الأوسط من حيث دقة وصحة الأرقام ومرجعيتها العلمية والمنهجية، بما يتماشى مع معايير صندوق النقد الدولي والبنك الدول ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ولأن مياها كثيرة جرت تحت الجسر، وبروز تحديات ورهانات جديدة، من قبيل التغيرات المناخية والتوترات الجيو- سياسية، وقبل ذلك اعتماد المملكة لنموذج تنموي جديد سعيا للحاق بنادي الدول الصاعدة، بات يتعين على المندوبية الانتقال إلى مرحلة جديدة، والقيام بأدوار جديدة.

ولاية شكيب بنموسى، يجب أن تتماشى مع أهداف نموذج التنمية المتقدمة كمواكبة التحول الهيكلة لاقتصاد المملكة من طنجة إلى لكويرة،يقول خبير السياسات العمومة، داعيا إلى تدراك غياب الدراسات الميكرو-اقتصادية والقطاعية.

الجانب الآخر الذي يتعين الاشتغال عليه،حسب المتحدث ذاته، تعزيز الرأسمال البشري بما يتوافق مع المتغيرات.

صحيح تم بذل مجهودات كبيرة في هذا الإطار، لكن المندوبية تظل غائبة عن وسائط التواصل الاجتماعي، إذ فضلا عن الأرقام، ما المانع من الانخراط في إنتاج "بودكاست" مثلا لتزويد الباحثين والمهتمين بالمعطيات وبكيفية تقييم مخلتف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وكذلك تقييم الرأسمال البشري،وبالأخص عواقب التحول الديمغرافي السريع جدا الذي يعرفه المغرب حاليا؟ يتساءل المتحدث ذاته.

إلى جانب ذلك، فإن الإدماج الاجتماعي، وتقييمه، يفرض جانبين من الدراسات النوعية والكمية، فيما يجب أن يكون هذا المجهود، يقول يمني، مرتبطا بالسياسات العمومية، وما يترتب عن قانون المالية.

هناك أيضا رهانات التنمية الجهوية، ومتابعة الاستراتيجيات التي من شأنه أن تجعل من الأقاليم مصدرا لتكوين الثروة، و إحداث مناصب الشغل،ومحاربة الفوارق الاقتصادي والاجتماعية المبنية على جهات نافعة وجهات غير نافعة، وذلك إلى جانب رهان ترسيخ استدامة الموارد وقدرتها على مواجهة تداعيات التغير المناخي للحد من الفقر البيئ والنزوح القروي والهجرة السرية، يشدد أستاذ الاقتصاد ذاته.

لذلك من المرتقب أن يرافق مغادرة لحليمي وقدوم بنموسى نقلة نوعية على مستوى إنتاج دراسات ميكرو- اقتصادية، وماكرو-اقتصادية، مرتبطة مع رهان المغرب للدخول إلى نادي الدول الصاعدة، يسنتج يمني، داعيا في الوقت ذاته إلى الانفتاح على التكنولوجيات الرقمية والأدوات السريعة في جمع البيانات والأرقام وكذلك استخدام الذكاء الصناعي لربح الوقت، وكذلك لربط هذه المعطيات بالماضي والحاضر والمستقبل.