ولأن النقاش مستحيل حول، وفي، وعن هذا الموضوع بالتحديد..

ولأنك عندما تقول لهم "إن القتل والقتل المضاد ليسا الحل"، يشرعون فقط في السب والشتم قبل وبعد اللطم والعويل…

ولأنهم يعاجلونك فور أول اختلاف، صباحا وفي الزوال وخلال الفترة المسائية، بعبارات التخوين، واتهامات التصهين، وبقية الخزعبلات…

ولأن العقل معطل، والكلمة فقط للعاطفة.

ولأن الرأي والرأي الآخر هو هنا مجرد شعار تتزين به قناة تلفزيونية شهيرة لاتبث إلا رأيا واحدا. 

ولأن التعب، خصوصا من الحديث المستحيل مع الغباء، هو أمر مشروع، وإنساني في نهاية المطاف، وهو ليس دليل ضعف، بل هو برهان آدمية عادي. 

ولأن النقاش مع من لايتقن فنون النقاش هو مجرد نقار فارغ لا فائدة ترجى منه. 

ولأن (اللي عطا الله عطاه) في العقل الجماعي السائد هنا وهناك، وفي بقية الأرجاء. 

ولأن أفضل طريقة لكي تصفق لك الجموع، هي أن تصرخ، ولو دون اقتناع، بالشعارات والأناشيد والمحفوظات، وهذه لايفعلها الشجعان الحقيقيون الذين يعبرون عن رأيهم مهما كان الثمن. 

ولأن المغني أوصانا بها، وقال لنا "ما أقصر العمر حتى نضيعه في النضال". 

ولأن غلبة الصوت ورجع الصدى، هي لمن يهادن الجموع، ويقول لها فقط ماتريد سماعه، ومايدغدغ المسام منها، ومايداعب زغيبات الشعر لديها في الاتجاه الذي تسير فيه. 

ولأن القضية ابتدأت منذ عقود، وأضاعتها هاته الشعارات، ونفس الأناشيد والمحفوظات ذاتها التي يرددها "الكورال" اليوم. 

ولأن الأمل شبه مفقود في أن يتوقف الكورال عن أداء الأناشيد، وهو يعتقد أنه ينتصر فقط لأنه يغني. 

ولأن المنطقة اليوم تهيئ لمستقبلها القادم، تسويات سياسية دولية وإقليمية حقيقية، وتقاسم نفوذ جديد، ورسما آخر مختلفا عن الرسم السابق، دون أدنى اكتراث بكل الصراخ المحيط بهاته الترتيبات. 

ولأن واقع الأرض، والواقع على الأرض، قاس، وقاتل، ودام، ويقول باختصار من المنتصر ومن المنهزم، ويجيب على السؤال "هو انتصار أم انتحار؟" بصراحة، ومع ذلك لاتريد الجموع الإنصات، وترفض الاستماع. 

ولأن العناد مع المعاندين عن غير فهم، أو عن رغبة مسبقة في عدم الفهم، أمر ليس ذكيا كثيرا. 

ولأن، ولأن، ولأن…فإن العديدين قرروا الصمت والتفرج فقط، عوض تلقي السب بدلا عمن يقتل حقا، لأن الجموع لاتستطيع للقاتل البعيد عنها شيئا، ولاتملك قوة وتجبرا (كلاميين فقط، أي الأقوال مجددا دون الأفعال) إلا على المقربين منها الذين يعيشون بين ظهرانيها. 

الصمت الحزين، ثم الفرجة الأكثر حزنا، عسى القضية تسلم في النهاية من كل هذا الدمار، وعسى يتمكن الصادحون بالأناشيد والمحفوظات والأغاني وديوان الشعارات من تقديم شيء حقيقي لها، غير النعي، والنعي الموالي، ثم عبارات "هو لم يمت بل ارتقى"، قبل تصحيحها بالعبارة المغلوبة الأخرى "وحتى إن مات…فإن القضية لن تموت". 

فعلا، يبدو الأمر مغريا بالتجربة: وماذا لو صمت صوت العقل تماما الذي يسميه مرددو الشعارات (صوت الخيانة) وترك المجال لطوفان الأناشيد وحده لكي بملأ الأرجاء؟ 

ماذا لو؟ 

شخصيا، العبد لله سيجرب، وسيرى، ربما تتحرر فلسطين فعلا، وبقية الأراضي، وينتهي هذا الكابوس. 

"آجي نجربو…مافيها باس"، وبعدها لكل حادث حديث.