خطوة جريئة اتخذتها الحكومة والدولة المغربية بانضمامها الى القائمة التي صادقت بالجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء17 دجنبر2024 ، على قرارها العاشر الداعي إلى وقف تنفيذ عقوبة الإعدام.

انضمام المغرب الى قائمة الدول المصادقة على القرار الأممي بعد الوقف العملي لتنفيذ العقوبة منذ 1993, هو بداية أفق جديد لإلغاء هذه العقوبة المنافية للعدالة والماسة بأسمى الحقوق وهو الحق في الحياة من التشريع الجنائي المغربي.

لقد عمت الفرحة بين أوساط الحقوقيين بمجرد تأكيد القرار, وعانق بعضهم البعض بهذا الانتصار الحقوقي الذي فتحت الرسالة الملكية إلى المنتدى العالمي الثاني لحقوق الإنسان الذي انعقد بمراكش سنة  2014  النقاش حوله, خاصة أنها تضمنت دعوة إلى فتح حوار مجتمعي حول عقوبة الإعدام.

قبل ذلك, كان الالغاء أحد أبرز توصيات هيئة الانصاف والمصالحة, وترافع الحقوقيون ومعهم المجلس الوطني لحقوق الانسان لتنفيذ التوصية, ولم تتردد رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمنة بوعياش، يوم الجمعة 18 يناير 2019  بمطالبة ممثلي الأمة بالتداول بشكل عميق يلامس كل الجوانب المتعلقة بعقوبة الإعدام وربطها باختيار المغرب الاستراتيجي لتعزيز حقوق الإنسان وضمانها. فالمجلس كان مع الإلغاء ودعم عمليات النهوض بالحق في الحياة، بما يتلاءم والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وملاءمة للمقتضيات الدستورية.

قرار الحكومة والدولة المغربية لم يأت من فراغ , بل هو ثمرة ترافع مؤسساتي قادته أيضا شبكة برلمانيون وبرلمانيات ضد عقوبة الاعدام في المغرب, وأيضا االأئتلاف المغربي ضد عقوبة الاعدام.

وكان التردد هو سيد الموقف لدى الحكومات التي جاءت بعد دستور 2011 الذي نص على أن الحق في الحياة أسمى الحقوق. وتمت عرقلة النقاش المجتمعي والمؤسساتي, فقد سبق لمصطفى الرميد وزيرالحريات وحقوق الانسان الحالي حين كان وزيرا للعدل أن اعترض على إدراج الغاء العقوبة القصوى ضمن نقط أخرى أثارت خلافا إلى جانب تعدد الزوجات والإيقاف الإرادي للحمل، والتي عرقلت تفعيل الخطة الوطنية للديموقراطية وحقوق الإنسان. بل انه طالب فقط بتقليص عدد الجرائم التي تطبق حولها العقوبة دون الغائها بشكل تام.

ورغم موقف حزب العدالة والتنمية السلبي تجاه مطلب انساني طيلة عشر سنوات قاد خلالها الحكومة, فان نسبة عدد المغاربة الذين مع إلغاء عقوبة الإعدام، والمغاربة الذين مع الإبقاء على هذه العقوبة متساوية حسب دراسة أجراها المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

وفي مواجهة جبهة المناهضة, استمر المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الترافع, وذلك حين جدد الدعوة لحكومة سعد الدين العثماني الى قبول توصيات لم تحظ بتأييدها في الجولة الثانية من الاستعراض الدوري الشامل ومن بينها التوصية 131.3 الداعية إلى الأخذ بوقف اختياري بحكم القانون لتنفيذ عقوبة الإعدام وذلك في أسرع وقت ممكن، و أوصى المجلس بالتصويت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي إلى وقف تنفيذ عقوبة الإعدام، والانضمام إلى البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الرامي إلى إلغاء عقوبة الإعدام.

لكن مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، اكتفى باطلاق الوعود خلال مناقشة التقرير الوطني للمغرب، بمناسبة الجولة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل، أمام مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة بجنيف بتقليص الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام، وأشار إلى أن مشروع القانون الجنائي المعروض حاليا على البرلمان، نص على خفض عدد الجرائم، التي يعاقب عليها بالإعدام، بشكل كبير ليصبح عددها 12 من أصل 36 جريمة.

وبينما اتجه النقاش المؤسساتي الهادىء والرصين نحو الانضاج, فان النقاش المجتمعي اختار في غالبيته منحى التلاعب بالمشاعر والأحاسيس, وأبان عن عقلية انتقامية تستهدف النشطاء والفاعلين الحقوقيين وليس مناقشة أفكارهم. وتناسى الكثيرون أن العدالة تبتغي الانصاف وليس الانتقام وزرع الحقذ والضغينة, واختاروا أن يدافعوا عن تلطيخ أياديهم بدماء دئاب بشرية  أو سفاحين سفكوا وأزهقوا الأرواح, ولو أن ذلك لن يحقق لا العدل ولا الانصاف.

ورغم الخطوة الجريئة للدولة المغربية, فان النقاش المجتمعي بين المؤيدين والمناهضين حول الاعدام لن ينتهي, لكن تصويت المغرب على القرار الأممي بوقف التنفيذ قطع مع "التردد", وفتح آفاقا أرحب نحو حذف العقوبة نهائيا من القانون الجنائي وليس فقط تقليص الجرائم التي يعاقب عليها بتلك العقوبة القاسية واللانسانية والتي لا تحقق لا العدل ولا الانصاف.